للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: (يكون بمعنى "انتبه") (١) . والحقيقة أنَّ هذا المعنى الذي ينبِّه له أبو علي الفارسي ت (٣٧٧ هـ) ينسب أيضاً إلى أبي الحسن الأخفش ت (٢١٥ هـ) فهو عنده قد يخرج من معنى أخبرني إلى "معنى أمَّا، أو تنبَّه" (٢) . ويظهر أنه لمح هذ المعنى فيه لأنَّ ما بعده تفصيل لشيء، أو إيضاح كما يبدو.

وفي البحر المحيط قول ينسب إلى الكرْمَاني ينص على أنَّ "أَرَأَيْتَكُم"استفهام وتعجب (٣) . ويظهر لي أنَّ كون الاستفهام للتعجُّب على هذا الرأي لا ينافي كون ذلك بمعنى أخبرني. والطريف في الموضوع هو إطلاق الرؤية، وإرادة الإخبار؛ إذ الرؤية سببٌ للإخبار كما هو معلوم، وكذلك جعل الاستفهام، بمعنى الأمر ولعلَّ الجامع بين الاستفهام والأمر في أسلوب "أَرَأَيْتَ" كونهما طلباً.

ولنا أن نتساءل عن استعمال "أَرَأَيْتَ " في الإخبار أحقيقة هو أم مجاز؟ وما مسوِّغه؟ ورد في الفتوحات الإلهية ما نصُّه:"استعمال "أَرَأَيْتَ " في الإخبار مجاز أي أخبروني عن حالتكم العجيبة" (٤) ويجوِّز ذلك بقوله:"ووجه المجاز أنَّه لمَّا كان العلم بالشيء سبباً للإخبار عنه، أو الإبصار به طريقاً إلى الإحاطة به علماً، وإلى صحة الإخبار عنه استعملت الصيغة التي لطلب العلم، أو لطلب الإبصار في طلب الخبر، لاشتراكهما في الطلب. ففيه مجازان: استعمال رأى التي بمعنى عَلِمَ، أو أَبْصَرَ في الإخبار، واستعمال الهمزة التي هي لطلب الرؤية في طلب الإخبار" (٥) .

والذي يُنْعِم النظر في "أَرَأَيْتَ " وفروعه في السياق القرآني يلحظ أنَّه جاء بمعنى أخبرني كثيراً، من ذلك قوله سبحانه وتعالى: (( ( [النجم:١٩-٢٢]


(١) أبو علي الفارسي، المسائل الحلبيَّات، ص ص ٧٦، ٧٧.
(٢) أبو حيَّان الأندلسي، البحر المحيط، ٤/١٢٦، والسمين الحلبي، الدرُّ المصون، ٤/٦٢٣.
(٣) أبو حيَّان، البحر المحيط، ٤/١٢٤.
(٤) سليمان الجمل، الفتوحات الإلهية، ٢/٢٧.
(٥) السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>