للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمد الله سبحانه وتعالى حمداً لاتدرك غايته، ولا تعلم نهايته، وأشكره على نعمه التي لاتحصى، وأستعينه وأستغفره.

وأصلّي وأسلّم على سيدنا محمد صفوة الله من خلقه، أما بعد:

فالكتاب لسيبويه إمام النّحو، وحجة العرب، هو المنبع الصّافي، والمَعِين الذي لا يَنْضُب على مر العصور، وتعاقب الدهور.

استوعب فيه سيبويه أبواب النّحو والصرف، ومسائل التمارين، وعقد أبوابه بلفظه ولفظ الخليل بن أحمد، وهو أعلمُ النّاس بالنّحو بعد الخليل، وأثْبتُ من حمل عنه.

مات عنه سيبويه وهو في حداثة سِنّه، وريعان شبابه، وربيع عمره، فأقبل العلماء – بعد موته – على (الكتاب) بالدراسة، والرواية، والشرح، والحفظ، جيلاً بعد جيل، وطبقةً بعد طبقة، فشرّق (الكتاب) وغرّب، وتلقفه القاصي والدّاني، وشُغف العلماء به على اختلاف مشاربهم، وتعدُّدِ مواردهم.

وبلغت العناية ب (الكتاب) أنّ الفرّاء من النحويين الكوفيين وُجد بعضُ الكتابِ تحت وسادته التي كان يجلس عليها.

قال ثعلبٌ: مات الفرّاءُ وتحت رأسه كتاب سيبويهِ.

جمع فيه سيبويه ماتفرّق من أقوال من تقدمه من العلماء، كأمثال: عبد الله بن أبي إسحاق، وأبي عمروٍ بن العلاء.

و– أيضاً – جمع فيه أقوال وآراء شيوخه، كأمثال: عيسى بن عمر، وأبي الخطاب الأخفش الكبير، والخليل بن أحمد، ويُونُس بن حبيب، وأبي زيدٍ الأنصاريّ، وغيرهم.

فأبدع كتابَه على مثالٍ لم يُسبق إليه، ولم يَدَعْ للمتأخرين استدراكاً عليه.

لم يك سيبويه في كتابه جمّاعاً لآراء السابقين آو لآراء شيوخه فحسب، بل كان ذا شخصيةٍ قويةٍ، تظهر في ضمّ ما استخرجه بنفسه من القواعد، اعتماداً على سماعه من العرب الخُلّص.

وكان – رحمه الله – يُناقش شيوخه في مسائل النّحو والصرف، فما يُقرّه الدليل أو القياس أخذ به، وما يخالفهما اطّرحه وخالف صاحبه، وإن رأى أنّ القول الآخر قويٌّ أخذ به إلى جانب مايراه.

<<  <  ج: ص:  >  >>