الحمد لله رب العالمين الذي شرّف اللغة العربية بالقرآن فأنزل بها أفضل كتبه، وأرسل من أبنائها أشرف رسله، وجعل على المسلمين تعلُّمَها فرضاً كفائياً، وأصلي وأسلم على نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب سيد ولد آدم قاطبة، وعلى آله وأصحابه مصابيح الدجى، حملوا الأمانة وأدوا الرسالة ونصحوا الأمة اللهم ارض عنهم أجمعين، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه واعصمنا اللهم من مضلات الفتن ٠
أما بعد: فأن في اللغة العربية مسائلَ دقيقة تحتاج إلى إيضاح وتتبع لقضاياها وتبيان لوجه الحق فيها حتى يظهر جلياً للعيان، دون التباس أو غموض في تلك القضايا، وهي كثيرة مبثوثة في بطون أمَّات الكتب، ومن هذه المسائل الدقيقة: قضايا ((لن)) في مبناها ومعناها؛ إذ يشيع الخلاف فيها بين الزمخشري ومعارضيه، في إفادتها تأكيد النفي كما صرّح به الزمخشري في كتبه كالكشاف والمفصل وفي بعض نسخ الأنموذج، أو في إفادتها تأبيد النفي كما نسب إليه في الأنموذج، وقد كان شيخي الأستاذ الدكتور أحمد عبد اللاه هاشم كتب رسالة سمّاها (قضية لن بين الزمخشري والنحويين) نشرها في مصر عام ١٣٩٩هـ في دار التوفيقية، ردَّ فيها على من اتَّهم الزمخشري بالقول بتأبيد النفي بلن، واستدل على ما ذهب إليه بأدلة ذكرها في تلك الرسالة مُفادها أن الزمخشري لم يقل بتأبيد النفي بلن، وإنما هو شيء تصحَّف على بعض نسَّاخ الأنموذج إذ تلتبس كتابة (تأبيد) ب (تأكيد) في المخطوطات القديمة، فالكلمتان بينهما جناس لاحق، ولا سيما إذا ظُنَّ أن شرطة الكاف فتحة على الباء، فحمل القومُ قولَه على الأسوأ بسبب معتقده الاعتزالي في قضية رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة، ولمواقفه المتشددة في مسائل الاعتزال وتشدده في الانتصار لهذه الفرقة الضالة ووسمه أهل السنة والجماعة بالحُمُرِ المُوْكَفَةِ في قوله (١)
(١) ينظر الكشاف: ٢/١١٦، وسيأتي في الرسالة مزيد إيضاح لموقف الزمخشري، ومواقف خصومه منه ٠