للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا إِذا أَرَدْنا أَنْ نَذْهَبَ إلى الأصولِ فهي تَدُلُّ عَلى صِحَّةِ بَعْضِ مَا ذَهَبَ إليه الرّبْعي وابنُ الباذِش،فالأصولُ النَّحْويَّةُ تقولُ: إنّ الأصْلَ في المَعَارِفِ ألاّ تُوصَفَ مُطلقاً؛ لأنَّها مَوْضُوعَةٌ عَلى التَّخْصيصِ،لكنَّ طَبيعَةَ وَضْعِها ككَلِمَةٍ مَوْصُوفَةٍ جَعَلها تَحْتَاجُ إلى الصِّفَةِ،وهذه الطَّبيعَةُ هي أَنَّ هذِه المَعْرِفَةَ المُخَصَّصَةَ صَارَتْ تَحْتَاجُ إلى تَخْصِيصٍ جديدٍ،فأَشْبَهَتْ النَّكرةَ مِنْ هذا الوَجْه، فوُصِفَتْ بمَعْرِفةٍ، والأصْلُ في النَّكِرَةِ أَنْ تُوصَفَ لِكَونِها غيرَ مُخَصّصةٍ،والمَقصودُ مِنْ هذا الكَلامِ أَنَّ المَعْرِفةَ لا تُوصَفُ إلا لإزالةِ عَارِضٍ أَثَّرَ على تَخْصِيصِها السابقِ،أو تَنْعَتُها ثانياً وثالثاً لِتُؤكِّدَ تَخْصيصها، والنَّكِرةُ لا تُزيلُ العَارِضَ المَوجودَ، فلمْ تَنْعَتْ بها المَعْرِفَةَ، فقولك: (زيدٌ المُجتهدُ غائبٌ) مَيّزْتَ بالمُجتهدِ زيداً عن غيرِه من الزُّيودِ، فأَزَلْتَ الاشْتِراكَ،وإذا أَخَذْنا برَأْيِ الفارِسِيِّ وهو أنَّ المَوْصوفَ هو الصِّفَةُ في المَعْنى لقلنا: إنّ زيدأ هو المُجتهدُ،والمُجْتهدُ هو زيدٌ،وهذا غيرُ دقيقٍ،ويَرِدُ عليه بالإضَافَةِ إلى رَدّ ابنِ خَروفٍ أنّه لو كَانَ كَذلكَ لَمَا كانَ مِنْ الصِّفَةِ فائِدَةٌ، فهما واحدٌ،ولَمَا حَدَثَ تَبيينٌ وتَخْصيصٌ، وقد تحدث النحاة كثيرأ عن الخصوص والعموم بين النعت والمنعوت،فالأصل في "النعت أن يكون تعرِيفُهُ أنقصَ تعريفاً مِنْ المنعوت، ولا يجوز أن تنعت الاسم بالأخصّ " (١) ولِهذا كُلّه أَرى أَنَّ مَا ذَهَبَ إليه الرّبْعيُ وابنُ الباذِشِ صواباً، وهو رَأيُ جُمْلةٍ مِنْ النُّحَاةِ، مِنْهُم الوَرّاقُ (٢) وابنُ خَروفٍ (٣) والقَوّاسُ (٤)


(١) علل النحو٣٨١
(٢) انظر علل النحو٣٨٠
(٣) انظر شرح الجمل لابن خروف١/٣٠٠
(٤) انظر شرح ألفية ابن معطٍ ٧٥٠

<<  <  ج: ص:  >  >>