للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الدراسة تحاول أن تكشف عن أهمية التنغيم في أداء اللغة، ومدى تنبه علماء العربية له. وتوضح في الوقت نفسه بأن كثيراً من معطيات اللسانيات لم تكن بعيدة عن تصور أذهان لغويينا. فليست عقول القوم بأذكى وأقوم من عقول سلفنا. فلقد أثبت كثير من المنصفين (١) بما لا يدع مجالاً للشك بنجابة فهم اللغويين العرب لظواهر اللغة وحسن تعليلهم. إن قراءة التراث العظيم الذي خلفه علماؤنا بتمعن ليقفنا على مدى مالهم من وقفات تعكس براعتهم في التحليل والتفسير والاستنباط. كما أنه يتعين علينا أن ننبذ الحساسية التي ترى أن ((اللسانيات)) علم بعيد عن تراثنا، وأنه تنفس في أجواء غريبة. فاللسانيات وإن كانت نتاجاً غير عربي، فإنه لا يستبعد أن تكون قد هبت عليها رياح من نتاج الأمم الأخرى فتأثرت به. فلقد كان لعلماء الساميات أثر في تقديم قواعد اللغة العربية لأممهم، كما أن لدارسي الإسلام والعربية من المستشرقين أياً كانت توجهاتهم نصيباً في إعطاء ملامح عن التفكير العربي في مختلف الميادين. [فهذا حمزة قبلان المزيني يتلقى رسالة من نعوم تشومسكي رائد المدرسة اللغوية التحويلية رداً على استفسارات بعث له بها اعترف فيها أنه اطلع واستفاد من التراث اللغوي العربي] . كما أن فيرث رائد المدرسة اللغوية الانجليزية استفاد أيضاً من اطلاعه على اللغات الشرقية حيث أن تحليله الذي اهتم فيه بالأصوات ((البروسودي Prosodies)) (٢) استقاه من الهنود عندما كان أستاذاً في جامعة البنجاب. لذا يتحتم علينا أن نؤصل ما جاء في تراثنا ونقدمه بما يتوافق


(١) انظر على سبيل المثال التراث النحوي العربي الإسلامي: نحوي عربي من القرن الثامن الميلادي، مساهمة في تاريخ اللسانيات ميخائيل ج. كارتر، تعريب محمد رشاد الحمزاوي ص ١٧٩ من قضايا المعجم العربي قديماً وحديثاً.
(٢) البروسودي يطلق عليه كمال بشر التطريز الصوتي، وآخرون يطلقون عليه النظم. انظر

<<  <  ج: ص:  >  >>