أثر الصحراء في نشأة الشعر العربي وتطوره موضوع أدبي مهم، يصلح أن يكون عُنوانًا لكتاب ضخم، يفصل فيه الدارس مؤثرات الصحراء في الشعر العربي من حيث النشأة والتطور في الموضوعات والمعاني وفي اللغة والأسلوب، والصور والأخيلة والأوزان والقوافي، حتى استقام على الطريقة الشعرية المثلى التي وصلت إلينا في شعر امرئ القيس، وأوس بن حجر، والنابغة، وزهير، وطرفة بن العبد، وعنترة، والأعشى، وغيرهم من فرسان الشعر الجاهلي. وكانت واسطة عِقْده القصائد المطولات التي عرفت في اصطلاح بعض الأدباء بالمعلقات السبع أو العشر.
والدراسات والكتب التي صدرت عن الشعر الجاهلي والأدب الجاهلي عامة تمثل مكتبة متكاملة؛ لأن أدب العصر الجاهلي يعد النواة الأولى لنشأة الأدب العربي ومسيرته في معارج التطور والازدهار. وكان الرواة والأدباء وعلماء اللغة الأوائل يعنون بهذا الأدب عناية خاصة – ولا سيما الشعر – ويرون فيه النموذج والمثل للشعر العربي الأصيل الذي ينبغي للشعراء أن يحتذوه وينسجوا على منواله. وأقوال الرواة في تفضيل الشعر الجاهلي على غيره كثيرة نجدها في طبقات فحول الشعراء، لمحمد بن سلام الجمحي (٠٠٠ – ٢٣١هـ) ، والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني (٢٨٤ – ٣٥٦هـ) ، والموشح للمرزباني (٢٩٦- ٣٨٤هـ) ، وسواها من مصادر الأدب.
وأثر الصحراء في الشعر والأدب عامة موضوع جدير بالبحث على كثرة ما كتب عن الشعر الجاهلي من دراسات وبحوث وكتب، تناولت بيئته وجغرافيته وتاريخه وشعراءه، وما يتبع ذلك من دراسة شعرهم دراسة موضوعية وفنية.
والحقيقة أن ما اطلعت عليه مما كتب عن الأدب والشعر في العصر الجاهلي ألمس فيه تأثير الصحراء، وألحظ أنها ماثلة قائمة في كل سطر من سطوره. ولكن تبقى الحقيقة المهمة الغائبة، وهي تتبع أثر الصحراء المباشر في الشعر بخاصة، وفنون النثر في الأدب الجاهلي بعامة.