ونخلص من هذا كله إلى نتيجة حتمية، وهي أن الشعر العربي نشأ في صحراء العرب؛ فهي التي ألهمت الشعراء الأوائل في التوصل إلى قرض الشعر، وشهدت سهولها وحزونها البدايات الأولى لنشأته ومرحلة طفولته، وتدرجه حتى استقام شعرًا له وزنه وقافيته، غني بالمعاني والأفكار والموضوعات والصور البيانية والخيالية، التي استمد معظمها من بيئة الصحراء وثقافة الصحراء.
مظاهر أثر الصحراء في الشعر العربي:
للصحراء أثر واضح في الشعر العربي، ولاسيما الشعر الذي قيل على أديمها، والشعر الذي تأثر به في العصور الأولى، وبخاصة شعر عصر صدر الإسلام، والدولة الأموية، والعصر العباسي الأول والثاني. ونلمس هذا التأثر في مختلف جوانب الشعر: الشكل والمضمون والموضوعات. والشعر العربي ليس نصوصًا إبداعية فقط ولكنه – إلى جانب ذلك – يمثل بيئته، ويعبر عن حياة العرب الاجتماعية، وما تحفل به من نشاط متنوع. وهو بهذا المقياس شعرٌ له رسالة وهدف، وهذا ما دفع بعض الدارسين أن يستوحوا حياة العرب من شعرهم، حين قصر التاريخ عن استيعاب ذلك والإلمام به، بل إن مصادر التاريخ كسيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري، وابن الأثير، وابن كثير، وابن خلدون، تضمنت نصوصًا شعرية كثيرة أسهمت في تدوين أحداث التاريخ، ولذلك ستكون معالجتي لنصوص هذا البحث من هذا المفهوم الذي يرى أن الشعر العربي تصوير لحياة العرب ومناشطهم. وسأتحدث في الصفحات التالية عن أبرز معالم تأثير الصحراء في الشعر مستشهدًا ببعض النصوص الشعرية الغزيرة التي تثبت ذلك في أجلى مظاهره.