، وهي قصيدة ذائعة مشهورة. ونلحظ تأثره الواضح بالقصيدة الجاهلية في وصفه للمفازة التي سلكها للوصول إلى ممدوحه؛ فهو يسمها بأنها غير معروفة المسالك والدروب، مستوية يغيب فيها البصر، ولا يستطيع الأدلاء أن يهتدوا للسير فيها، ويصف جوها بأنه متوقد الحرارة بالقدر الذي يجعل الرياح تهب في ضعف وكلال، وتلوذ بأكناف الصخور للبحث لها عن أماكن ظليلة. ثم يضفي وصفًا آخر للمفازة التي سلكها، وهي أنها مختلفة الألوان تبعًا لطبيعة الأرض، ويعاني المسافر مشقة بالغة في التوقل في مسالكها، والتخلل عبر منافذها الملتوية الضيقة التي تكون عادة في الشعاب والتلاع والجبال. ويذكر أنه اعتمد في قطع هذه المفازة الشاسعة على ناقة صلبة سريعة سهلة السير ذات نشاط وهمة في اجتياز هذه المسافة الطويلة، وتمكن بها أن يصل إلى ممدوحه عند إشراق ضوء الصباح بعد ليل طويل داجي الظلمة أمضاه في السير. ويصف البلدة التي قصدها بأنها بعيدة بعدًا مضنيًا، يتصور الذهن أن الوصول إليها رجم من الظن والغيب، فالطريق إليها ليس إلا مسرحًا للذئاب. ويشبه جبالها وقد كللها السراب بإبل جللت بالمطارف البيض تغذ السير لتنحر وفاء بنذر في يوم عيد، ويشير إلى أنه عانى من أهوال قطع هذه المفازة، واكتحلت عيناه بالأرق والسهاد؛ ليبلغ ممدوحه وينشده قصيدته.
وندرك مما تقدم أن وصف الصحراء من الموضوعات التي عني بها الشعر العربي، وإن لم يكن ذلك الوصف موضوعًا مستقلاً، ولكنه داخل ضمن موضوعات أخرى كالمدح كما تقدم في قصيدة مسلم بن الوليد.