من شروط الحوادث أن تكون مترابطة متآخية يأخذ بعضها برقاب بعض، وإلا غدت مفككة الأوصال، وأن تنشأ من موقف معين ثم تتطور وتنمو، حتى تصل إلى نقطة معينة هي لحظة التنوير التي يكتمل بها الحدث ويبدو بها المعنى (٣٨) .
والأديبة الناخي استمدت مواقف قصصها وحوادثها من واقع الحياة السياسية والاجتماعية، وانطلقت تترجم عن هذا الواقع برؤية إسلامية ووعي يقظ جعلاها تشارك الأمة في أحداثها وتبصر مجتمعها بما يدور حولها بأسلوب قصصي مزج الواقع فيه بالخيال، وبطريقة سوية لا تحرف الجيل ولا تحرك الغرائز الشاذة، وهذه أسمى مهمات الأدب، وبذلك تكون قد دفعت عجلة الأدب الإسلامي إلى الإمام (٣٩) .
لقد حكت الواقع، ونقدت العادات والتقاليد التي لا تستند إلى شرع أو دين، والتي سببت معاناة للمجتمع كعادة غلاء المهور، وزواج الصغيرات بالمسنين الأغنياء، وإهمال الزوجة والانشغال عنها مع الصحب، كما كشفت عن واقع الأمة السياسي من ثورات داخلية وحروب بين الأشقاء، وإرهاب ضد المسلمين وبذلك وضعت الأديبة لبنة في بناء القصص على أسس واقعية ومعالجتها بنبرة نقدية إصلاحية فيها بعض الروح الإيمانية.
ولقد عنيت الكاتبة بمقدمات قصصها، وللمقدمة أثرها في النفس، وقد أشار البلاغيون بأهميتها لأنها أول ما يلاحظ القارئ فيقبل بعدها على النص أو يعرض عنه، كما قد تبين أحياناً نظرة الأديب إلى الحياة.
ومقدمات شيخة الناخي إجمالاً تناسب سياق القصص، ففي " الرحيل "(٤٠) وهي قصة تتحدث عن اضطراب حياة علياء والنهاية التعسة التي آلت إليها بعد أن كانت تعيش على الأماني العذاب، نراها تستهل قصتها بوصف الحياة، وتشبهها بسفينة تتقلب في بحر هادر لا يرحم، فكأن هذه المقدمة تشي بما سيكون في هذا المجتمع المادي الجديد الذي خدع بالمظاهر وأثر على حياة أبنائه وبناته فعاشوا على حلم ثم اصطدموا بمجتمع يحكمه عرف لا يستند إلى شرع أو منطق.