ولكني أرى أن الأديبة لو أنطقت شخصية من شخصياتها بما ينم عن الخاتمة وأضافت إلى الحديث ما يكشف عن رؤيا إسلامية أو إيجابية للقضية لكان دور القصة أبين وأجلى، كأن تجعل راوية " من زوايا الذاكرة " تعمل على إيجاد عمل للمطوع بدلاً من أن تنظر إليه وهو يغيب عنها كطائر أبيض ويظل هم الفقر يجثم على كلكله؛ ولعل كثرة مشاهد البؤس في هذا المجتمع غدت – على ما يبدو – لا تحرك ساكناً نحو ذويه.
والأديبة تميل إلى النهايات المأساوية – ولهذا أنهت ثلاث عشرة قصة بالمآسي كالموت أو الدمار، واعتقال الصغار وتشريد الكبار، وكان ثلاث قصص فحسب قد انتهت نهاية سعيدة بعودة الزوج، أو الأمل في عودته (٦١) .
ولعل الظروف السياسية والاجتماعية التي تغمر العالمين العربي والإسلامي بالمآسي، وتفشي قيم نتجت عن عصبية جاهلية لا عن شرع صائب أديا بالكاتبة إلى هذه النظرة السلبية في قصصها، وكل إناء بما فيه ينضح.
ب - المعنى ولحظة التنوير:
وإذا ذكرت الخاتمة ذكر معها لحظة التنوير، وهي النقطة التي تنتهي إليها خيوط الحدث، فيكتسب بها معناه المحدد الذي أراده له الكاتب، ونحن لا نستطيع أن نفصلها عن الخاتمة، إن لم نقل إنها نهاية الخاتمة، وقد أجادت الأديبة تصوير هذه اللحظة بعباراتها الأخيرة الدالة على المعنى كقولها في " رماد " على لسان الصغيرة التي أشفقت على دميتها على حين لم يشفق بنو البشر على بعضهم بعضاً:
" وبين حطام النوافذ والأبواب يأتي صوتها من الداخل واهناً مستغيثاً:
أنا قادمة إليكم يا أبي، لا تتركوني هنا، أحضرت دميتي معي (٦٢) .
وفي " لا تكن جلاداً " تقول على لسان البطل المغترب المشرد متحدثاً عن اعتقال ابنه " عمره لم يتجاوز الثانية عشرة ... مازال صغيراً، ترى ماذا يريد منه الجلادون، وانخرط في البكاء " (٦٣) .
فالأديبة في كلتا النهايتين أبانت عن جرائم العدو الذي لا يرحم صغيراً ولا كبيراً إلا ويودى به.