ثُمَّ إن الَّذين قالوا بالكفاية اختلفوا هل واجب الكفاية واجب على جميع المكلّفين ويسقط عنهم بفعل بعضهم، أو هو واجب على البعض؟ ذهب الإمام الرازي وأتباعه إلى الثَّاني للاكتفاء بحصوله من البعض، ولو وجب على الكلّ لم يكتف فيه بفعل البعض إذ يستبعد سقوط الواجب على المكلّف بفعل غيره، وذهب إلى الأَوَّل الجمهور، وهو ظاهر نصّ الإمام الشَّافعيّ في الأمّ، واستدلوا على ذلك بإثم الجميع بتركه، ولو لم يكن واجبًا عليهم كلّهم لما أثموا بتركه، وأجيب من جهة الفريقين بأجوبة يطول ذكرها (١) .
(قلت) جمهور علماء الأمّة على أن الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية يأثم جميع المكلّفين بترك ذلك، ويسقط عنهم الإثم إذا قام البعض بذلك، ولهذا عدَّ الأصوليون هذا النوع من فروض الكفاية، قال صاحب مراقي السعود:
فروضه القضا كنهيٍ أمرِ
(
ردِّ السلام وجهادِ الكفرِ
(١) انظر روح المعاني للآلوسي: ٢/٢٣٨، توزيع دار الباز.