للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحاصل أنّ الناظر في هذه الآيات يتمثل الدعوة أمامه واضحة، فلو لم يوجد لمناهج الدعوة وأساليبها إِلاَّ هذه الآيات لكانت وافية بالمقصود، فكل داع دعا إلى الاستقامة وعدم الطغيان وحذّر المدعوين عذاب الله بأن الله مراقب أعمالهم بصير بها، ثُمَّ حذّرهم من الركون إلى الظلمة والرضا بفعلهم، وأخبرهم أن فاعل ذلك مستحق لدخول النار وأَنَّه لا ولي له من دون الله وأن الله لا ينصره، ثُمَّ أمر بإقامة الصلاة كما أمر (بأن تصلى كما كان يصليها ((صلّوا كما رأيتموني أصلي)) (١) ، وصبر على ما يلاقيه من الأذى في سبيل دعوته إذا التزم بهذه المناهج والأساليب كفته لدعوته طيلة حياته، وإليك بعض الكلام حول الآيات:

بدأت الآيات بالأمر بالاستقامة مخاطبًا فيها ربّ العزة والجلال أفضل خلق الله وأعظمه استقامة وأتقاه لله، فلمّا أمره بالاستقامة مع علمه تعالى أَنَّه (لن ينحرف عن الطريق المستقيم علمنا أن للاستقامة شأنًا عظيمًا فينبغي للدعاة التركيز على هذه النقطة في حالة دعوتهم للمسلمين المتّقين ليعلم كلّ النّاس أَنَّه لا غنى لأحد عن الدعوة، فالعاصي يؤمر بترك المعصية، والجاهل يؤمر بالتعلم، والعاق يؤمر بالتوبة والبرور، والقاطع للرحم يؤمر بوصلها، وهكذا، والمؤمن المتقي يؤمر بالاستقامة على ما هو عليه.

ومن هنا يتبيّن لنا أن الدعوة عامة لجميع النّاس، وأن العصاة لم يكونوا أحوج إليها من الأبرار، ومما يدلك على ذلك أنك لو تتبعت آيات الاستقامة في القرآن وجدت غالبها موجّهًا للرسل عليهم صلوات الله وسلامه.

قال تعالى في آية هود: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ... ((٢) ، وقال تعالى:


(١) أخرجه البخاريّ في صحيحه في كتاب الأذان عن مالك بن الحويرث في باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة ...
(٢) تقدّمت الإشارة إليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>