للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تفسير القرطبي قوله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ... (، الخطاب للنبي (ولغيره، وقيل: له، والمراد أمّته، قاله السُّدي، وقيل: استقم: اطلب الإقامة على الدين من الله واسْأله ذلك فتكون السين سين السؤال كما تقول: أستغفر الله: أطلب الغفران منه، والاستقامة: الاسْتمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال، فاستقم على امتثال أمر الله ... ، ومن تاب معك: أي استقم أنت وهم، يريد أصحابه الَّذي تابوا من الشرك ومن بعده ممّن اتبعه من أمته، قال ابن عبّاس: ما نزل على رسول الله (آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له: لقد أسرع إليك الشيب، قال: ((شيّبتني هود وأخواتها)) (١) .

وقد روي عن أَبي عبد الرَّحمن السلمي قال: سمعت أبا عليّ السَّري يقول: رأيت النَّبي (في المنام فقلت: يا رسول الله روي عنك أنك قلت: شيّبتني هود وأخواتها؟ فقال: نعم، فقلت له: ما الَّذي شيّبك منها؟ قصص الأنبياء وهلاك الأمم؟ فقال: لا، ولكن قوله: فاستقم كما أمرت.

ولا تطغوا، نهي عن الطغيان، والطغيان: مجاوزة الحدّ، ومنه قوله تعالى: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ ... ((٢) . وقيل: أي لا تتجبروا على أحد. اهـ (٣) .

وقال ابن عطيّة: أمر النَّبي (بالاستقامة وهو عليها إِنَّما هو أمر بالدوام والثبات، وهذا كما تأمر إنسانًا بالمشي والأكل ونحوه وهو متلبّس به، والخطاب في هذه الآية للنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الَّذين تابوا من الكفر، ولسائر أمّته بالمعنى (٤) .

فظهر من جميع الأقوال المتقدّمة أن الاستقامة مأمور بها (، وأصحابه مأمورون، وأمّته كذلك مأمورة بها حتَّى يرث الله الأرض ومن عليها.


(١) تقدّم تخريجه أوّل البحث.
(٢) الآية ١١ من سورة الحاقة.
(٣) القرطبي: ٩/٧١.
(٤) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ٧/٤١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>