للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهو سبحانه الذي مَنّ على من شاء من عباده، فوفقهم للعمل، ومنَّ عليهم بقبوله منهم وإثابتهم عليه، ولهذا يسمي سبحانه جزاء الأعمال وثوابها «أجراً» (١) ، كما يسمي سبحانه الصدقة «قرضاً» (٢) ، تفضلاً منه وامتناناً وإحساناً، وأنه سبحانه ألزم نفسه بالثواب لمن عمل صالحاً، ولقد أحسن القائل (٣) :

ما للعباد عليه حق واجب ... ... كلا ولا عمل لديه ضائع

إن عُذِّبوا فبعدله أو نُعِّموا ... ... فبفضله وهو الكريم الواسع

وأحسن من هذا قول ابن القيم في «النونية» (٤) مضمناً مقاله هذين البيتين، ومبيناً أنه لا واجب على الله للعباد إلا ما أوجبه على نفسه بفضله ومنه، وأنه لا يضيع لديه عمل اشتمل على الإخلاص لله والإحسان في المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (٥) . قال:

ما للعباد عليه حق واجب ... ... هو أوجب الأجر العظيم الشان

كلا ولا عمل لديه ضائع ... ... إن كان بالإخلاص والإحسان

إن عذبوا فبعدله أو نعموا ... ... فبفضله والفضل للمنان

كما أن له عز وجل أن يحرِّم على نفسه ما شاء، كما في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا» (٦) .

فله عز وجل إن يوجب على نفسه ما شاء، ويحرم على نفسه ما شاء. كما قال سبحانه وتعالى: (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ( [الأنبياء: ٢٣] .


(١) كقوله تعالى: (وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم (سورة آل عمران، الآية: (١٧٩) ، والآيات في هذا كثيرة جداً.
(٢) كقوله تعالى: (إن المصدّقين والمصّدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً (سورة الحديد الآية (١٨) والآيات في هذا كثيرة.
(٣) انظر: «الوابل الصيب» ص١٣٨، «شرح الطحاوية» ١/٢٩٦.
(٤) ص١٤٩ ١٥٠.
(٥) كما قال تعالى: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن (سورة النساء الآية (١٢٥) .
(٦) أخرجه مسلم في البر والصلة ٢٥٧٧، والترمذي في صفة القيامة ٢٤٩٥، وابن ماجه في الزهد ٤٢٥٧ من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>