وقال أبو زهرة: " وإن الوقف الذي يكون فيه حبس العين على حكم الله تعالى والتصرف بالثمرة على جهات البر، هو نوع من الصدقات الجارية بعد وفاة المتصدق، يعم خيرها ويكثر برها، وتتضافر بها الجماعات في مد ذوي الحاجات، وإقامة المعالم، وإنشاء دور الخير، من مستشفى جامع يطب أدواء الناس، ونزل يؤوي أبناء السبيل، وملاجيء تؤوي اليتامى، وتقي الأحداث شر الضياع، فيكونوا قوة عاملة، ولا يكونوا قوة هادمة (١) .
أما الهدف الخاص: فإن الوقف يؤدي دوراً مهماً في تحقيق رغبة خاصة، مما هو مغروس في الطبيعة البشرية، فإن الإنسان يدفعه إلى فعل الخير دوافع عديدة، لا تخرج في مجملها عن مقاصد الشريعة وغاياتها. ومن أهم ذلك ما يلي:
١ - الدافع الديني: للعمل لليوم الآخر، فيكون تصرفه بهذا الشكل نتيجة من نتائج الرغبة في الثواب، أو التكفير عن الذنوب.
٢ - الدافع الغريزي: حيث تدفع الإنسان غريزته إلى التعلق بما يملك، والاعتزاز به، والحفاظ على ما تركه له آباؤه وأجداده، فيخشى على ما وصل إليه من ذلك، من إسراف ولد، أو عبث قريب، فيعمل على التوفيق بين هذه الغريزة، وبين مصلحة ذريته بحبس العين عن التملك والتمليك، وإباحة المنفعة، ولا يكون ذلك إلا في معنى الوقف أو ما في معناه.
٣ - الدافع الواقعي: المنبعث من واقع الواقف، وظروفه الخاصة حين يجد الإنسان نفسه في وضع غير مسؤول تجاه أحد من الناس، كأن يكون غريباً في مواطن ملكه، أو غريباً عمن يحيط به من الناس، أو يكون منهم إلا أنه لم يخلف عقباً، ولم يترك أحداً يخلفه في أمواله شرعاً، فيضطره واقعه هذا إلى أن يجعل أمواله في سبيل الخير بالتصدق بها في الجهات العامة.
٤ - الدافع العائلي: حيث تغلب العاطفة النسبية على الرغبة والمصلحة الشخصية، فيندفع الواقف بهذا الشعور إلى أن يؤمن لذريته مورداً ثابتاً، صيانة لهم عند الحاجة والعوز.