للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالوقف هو " حبس الأصل وتسبيل المنفعة "، والأمم عرفت فكرة الوقف بهذا المعنى - على اختلاف اتجاهاتهم في تحديد مفهوم التسبيل - منذ أمد بعيد- وإن كان لايسمى بهذا الاسم الذي عرف به في الإسلام -، وذلك لأن المعابد كانت قائمة ثابتة وما رصد عليها من عقار ينفق من غلاته على القائمين على هذه المعابد كان قائماً ثابتاً، ولا يمكن تصور هذا إلا على أنه في معنى الوقف، أو هو على التحقيق وقف (١) .

فعلى سبيل المثال في تأريخ مصر القديم ما يدل على أن مساحات كبيرة من الأرض كانت ترصد على ما زعموه من الآلهة والمعابد والمقابر، وتكون غير قابلة للتصرف التمليكي من بيع أو هبة أو وصية، أما غلاتها فتصرف على إصلاحها وإقامة الشعائر الدينية والإنفاق على القائمين بخدمتها (٢) .

كذلك حبس " بنوت " - وهو أحد حكام بلاد النوبة في عهد "رمسيس" الرابع - كما دلت الآثار المصرية أرضاً له؛ ليشترى بريعها كل سنة عجلاً يذبح على روحه.

وفي تأريخ اليونان دلت آثارهم على أن امرأة اسمها "أريتي" وقفت حديقتها على مدينة "أوجوستينس" لتقام فيها شعائر دينية، وأن قائدا يونانيا اسمه "نسياس" وقف أرضا له لإقامة الشعائر للإله "أبولون" - كما يزعمون" (٣) .

وفي القانون الروماني القديم يظهر لنا بجلاء أن الوقف كان معروفاً عندهم، فقد قال جوستينيان: " الأشياء المقدسة والأشياء الدينية والأشياء الحرام لا يمتلكها أحد، لأن ما كان من حقوق اللَّه لا يمتلكه الإنسان، ومن دفن ميتاً بأرض فقد جعلها بمحض إرادته مكاناً دينياً " (٤) .


(١) ... ينظر: محاضرات في الوقف، لمحمد أبو زهرة ص٥.
(٢) ... ينظر: تيسير الوقف على غوامض أحكام الوقوف للمناوي خ/٣ب، أحكام الوقف للكبسي ١/٢٣.
(٣) ... ينظر: المصدر السابق.
(٤) ... مدونة جسوتينيان ص٣٨١، بواسطة المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>