فأجاب: المحاماة مفاعلة من الحماية إن كانت حماية شر ودفاع عنه فلاشك أنها محرمة؛ لأنه وقوع فيما نهى الله عنه في قوله تعالى:(وَلاَتَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (، وإن كانت المحاماة لحماية الخير والذود عنه فإنها حماية محمودة مأمور بها في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى (، وعلى هذا فإن من أعدّ نفسه لذلك يجب عليه قبل أن يدخل في القضية المعينة أن ينظر في هذه القضية ويدرسها فإن كان الحق مع طالب المحاماة دخل في المحاماة وانتصر للحق ونصر صاحبه، وإن كان الحق في غير جانب من طلب المحاماة فإنه يدخل في المحاماة أيضاً، لكن المحاماة تكون عكس ما يريد الطالب بمعنى أنه يحامي عن هذا الطالب حتى لايدخل فيما حرم الله عليه وفي دعوى ما هو عليه، وذلك لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) قالوا: يا رسول الله هذا المظلوم فكيف ننصره إذا كان ظالماً قال: ((تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه)) (١) ، فإذا علم أن طالب المحاماة ليس له حق في دعواه فإن الواجب أن ينصحه وأن يحذره وأن يخوفه من الدخول في هذه القضية، وأن يبين له وجه بطلان دعواه حتى يدعها مقتنعاً بها.
الفصل الثاني: شروط التوكيل في الخصومة
وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: أن يكون الفعل الموكل به مِمَّا يجوز التوكيل فيه
إن هذا الشرط متفق عليه من حيث الجملة، أمَّا من حيث التفصيل فإن الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللهُ - قسموا الحقوق باعتبار من تضاف إليه إلى ثلاثة أقسام:
(١) رواه البخاري في صحيحه، في كتاب الإكراه، باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه إذا خاف عليه القتل أو نحوه ... ٨/٥٩.