ونخلص مما سبق إلى أن جدة اعتمدت في نشأتها على ما توافر في بيئتها الطبيعية، فقيامها على ساحل البحر الأحمر يسر فرصة عمل لسكانها في البحر وفي التجارة وفي استقبال مراكب الحجاج في العصر الإسلامي، وكان لوجود الأودية دور كبير في ربطها بمكة المكرمة وفي الحصول على حاجتها من الماء لعدم وجود أنهار كما أن الجبال الواقعة في شرق المدينة تعد خزانات طبيعية لمياه الأمطار المتساقطة عليها، وهذا يفسر لنا اتجاه القائمين على جلب مياه العيون إلى شرق جدة، كما أن نسبة الانحدار الطبيعية من الشرق إلى الغرب ساهمت بدور كبير في تيسير حركة انسياب المياه بشكل طبيعي عبر القنوات لتغذية سكان جدة والوافدين إليها، علاوة على أن وجود المنخفضات التي كانت تتجمع فيها مياه الأمطار والسيول تعد موردا مائيا لسكان جدة، وهذا يفسر لنا أساليب سكان جدة في بناء الخزانات لتجميع المياه داخل وخارج النسيج العمراني.
كما أن مناسيب المياه الجوفية القريبة من قيعان الأودية أسهمت بدور كبير في الحصول على المياه من أعماق يسيرة، إلا أننا سنعرف فيما بعد أن هذه المياه تشوبها الملوحة وتكون في أماكن غير صحية؛ وهذا يفسر لنا وصف الكثير من المؤرخين والرحالة لقلة المياه في جدة، واعتماد سكانها والوافدين إليها في الحصول على المياه من أماكن بعيدة قد تكون في المنطقة المرتفعة شرق جدة، حيث يقل تأثير البحر وتتكون المياه مما جلبته الأمطار على الجبال الواقعة شرق جدة (٦) .