وهو في هذا يوافق سيبويه (١) فهو الَّذي جوَّز حذف اسم هذه الحروف إذا كان ضمير شأن (٢) ، أمَّا جمهور النُّحاة فقدجاء رأيهم في ضمير الشَّأن مع النَّواسخ عمومًا فيه تفصيل؛ حيث إنَّهم رأوا جواز استتاره في (كان) وأخواتها، وفي المقابل ضرورة بروزه مع (إنَّ) وأخواتها، و (ظنَّ) وأخواتها (٣) ؛ وذلك لأنَّ اسم (كان) مرفوع، والضَّمير المرفوع يستتر في الفعل، بخلاف الضَّمير المنصوب الَّذي لا يكون إلاَّ ظاهرًا (٤) ، كما أنَّه مع (إنَّ) وأخواتها لا يمكن استتاره فيها؛ لأنَّها حروف، والحروف لا تستتر فيها الضَّمائر (٥) .
من باب (ظنَّ وأخواتها)
مسألة: إعمال أفعال القلوب في ضميري الفاعل والمفعول المتصلين مع اتحاد المسمَّى
نحو: ظننتُني وحسبتُني، وهذا ممَّا تميَّزت به هذه الأفعال دون غيرها من الأفعال الحسيَّة (٦) ؛ فلا يُقال: أكرمتُني، وأكرمتَكَ، وأكرمْكَ، بل يُقال: أكرمتُ نفسي، وأكرمتَ نفسَكَ، وأكرمْ نفسَكَ، وقد علَّل العلماء للمنع في غير أفعال القلوب بأمرين:
أحدهما: الاستغناء بالنَّفس عن الضَّمير (٧) .
الآخر: أنَّ الأصل في الفاعل أن يكون مؤثِّرًا، والمفعول به متأثِّرًا منه، والمؤثَّر يغاير المتأثِّر، فإن اتحدا معنًى امتنع اتحادهما لفظًا (٨) .
أمَّا عن علَّة جواز الجمع بين الضَّميرين في أفعال القلوب فترجع أيضًا إلى أمرين:
أحدهما: أنَّه لمَّا كان المقصود هو المفعول الثَّاني؛ لتعلُّق العلم والظَّن به؛ لأنَّه محلهما بقي المفعول الأوَّل كأنَّه غير موجود، والأمر يختلف مع غيرها من الأفعال نحو: ضربتُني، وضربتَك؛ لأنَّ المفعول محل الفعل فلا يُتوهَّم عدمه (٩) .
الآخر: أنَّ علم الإنسان وظنَّه بأمور نفسه أكثر من علمه بأمور غيره، فلمَّا كثُر فيها، وقلَّ في غيرها حُمل على الأكثر، فجُمع بينهما (١٠) .