للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السهيلي: "إن الكاف تكون حرف جر، وتكون اسما بمعنى مثل، ويدلك على أنها حرف: وقوعها صلة للذي، لأنك تقول: رأيت الذي كزيد، ولو قلت: الذي مثل زيد، لم يحسن، وبذلك تكون اسما ... وإذا دخلت على مثل، كقوله تعالى: (ليس كمثله شيء ((الشورى:١١) فهي إذا حرف، إذ لا يستقيم أن يقال: مثل مثله، وكذلك هي حرف في بيت رؤبة، (مثل كعصف) لكنها مقحمة لتأكيد التشبيه، كما أقحموا اللام من قوله: (يا بؤس للحرب) ، ولا يجوز أن يقحم حرف من حروف الجر سوى اللام، والكاف، أما اللام فلأنها تعطي بنفسها معنى الإضافة، فلم تغير معناها، وكذلك الكاف تعطي معنى التشبيه، فأقحمت لتأكيد معنى المماثلة، غير أن دخول مثل عليها كما في بيت رؤبة قبيح، ودخولها على مثل كما في القرآن أحسن شيء، لأنها حرف جر، تعمل في الاسم، والاسم لا يعمل فيها، فلا يتقدم عليها، إلا أن يقتحمها كما أقحمت اللام" (١) .

ويبين السهيلي السر في بعض أساليب التشبيهات الدقيقة الغامضة، كما في قول عبد الله ابن قيس الرقيات في قصة الفيل: (٢)

واستهلت عليهم الطير بالجن ... دل حتى كأنه مرجوم

يقول: "وقوله: (حتى كأنه مرجوم) وهو قد رجم، فكيف شبهه بالمرجوم وهو مرجوم بالحجارة؟ وهل يجوز أن يقال في مقتول: كأنه مقتول؟ فنقول: لما ذكر استهلال الطير، وجعلها كالسحاب يستهل بالمطر، والمطر ليس برجم، وإنما الرجم بالأكف ونحوها، شبهه بالمرجوم الذي يرجمه الآدميون، أو من يعقل ويتعمد الرجم من عدو أو نحوه، فعند ذلك يكون المقتول بالحجارة مرجوما على الحقيقة، ولما لم يكن جيش الحبشة كذلك، وإنما أمطروا بحجارة، فمن ثم قال: كأنه مرجوم" (٣) .

ويبرز السهيلي وجه الشبه والغرض من التشبيه لدى بعض الشعراء، كما في قول شاعر من العرب: (٤)

لقد أنكحت أسماء رأس بُقيرة ... ... من الأدْم أهداها امرؤ من بني غنم


(١) لروض الأنف، (١/٧٥) .
(٢) لسيرة النبوية لابن هشام، (١/٨١) .
(٣) لروض الأنف، (١/٨١) .
(٤) لمصدر السابق، (١/١٠٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>