للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّ ((الجدول المترقرق، والحقل المهتز، والنسمة الطليقة، والجبل القائم، والكوكب المتألّق، والبدر المشرق، والليل الساجي)) مظاهر جمالية لكن جمالها ليس في ذاتها، وإنّما فيما تولّده النفوس من معاني تلك المظاهر. ولذلك النفس العقيم التي لا تنجب معاني جمالية، لا تدرك الجمال، ولا تعرف كنهه، إما لعجز في حسها الجمالي، وإما لما يقيمه الإلف بينها وبين الأشياء من حجب كالذي وجدناه عند الفلاح الذي ألف مظاهر الطبيعة من حوله، ففقد القدرة على توليد معاني الجمال.

هذه النفوس التوّاقة ((دائمة البحث عن الجديد، ولهذا لا تقف في إدراكها الجمالي عند حد، ولا ترضى بقيم جمالية ثابتة، فهي متجددّة في تأملها، كتجدد الحياة التي لا تتوقف، من هنا تفقد الأشياء الجميلة قيمتها عند هذه النفوس حين تكتشف أسرارها ونمنماتها الخفيّة، ويترامى بها الولع الجمالي إلى البحث عن أسرار جديدة تفضي بها إلى آفاق لا حدّ لها وهذا ما عبّر عنه شحاتة في محاضرته الشهيرة فقال: ((وإدمان النظرة إلى صورة جميلة، يفقدها شيئاً من تأثيرها القوي كلمّا تجدّد إليها النظر المشغوف، وارتوى منها الحس المفهوم، حتى تفقد مقدرتها على التأثير والأداء.

وإنك لتعجب بالمنظر يفتنك، ويلقاك بألف معنى، أول ما تلقاه فما تزال نفسك دائبة في تحليل معانيه وإذابتها، حتى تنتهي بها إلى الإصفاء والإفلاس)) (١) .


(١) الرجولة عماد الخلق الفاضل، حمزة شحاتة، جدة: تهامة، ط١، ١٤٠١ هـ / ١٩٨١ م ص ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>