للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبطل والضحية هو الإنسان، ((من بداية الحياة حتى نهايتها، كانت هناك حرب واحدة، متصلة هي الإنسان، وكل المعارك والأحداث في تاريخها آثار صور مصغرة لها، وباختصار، الحرب المدمرة والباقية هي الإنسان)) (١) .

إن للحياة منطقها الخاص الذي يعيه العقلاء وأولو الألباب، وللعقلاء منطقهم الخاص الذي تعيه الحياة، فالزينة الزائفة لا تستوقف ذا اللّب، وإن كان هذا هو الخيط الذي يمسك به العشاق. ولهذا فالعقلاء لا يحبون الحياة حين تكون زيفاً، والحياة كذلك لا تحب العقلاء ((الحياة كالمرأة كلتاهما تحب الذكي، وتكره العاقل)) (٢) .

الحياة في منطق العقلاء شبكة من الصغائر والتفاهات ((ما أكثر صغائر الحياة، وما أكثر التفاهات فيها؛ لأنها نسيج الحياة)) (٣) .

ولكن “ جمال الحياة ” مرتبط ارتباطاً وثيقاً بوجود هذه التفاهات والصغائر؛ لأنها أوهام تبعث السعادة في النفوس، حين تظل متعلقة بها، وباحثة عنها، وحاثة الخطى إليها، وإن اكتشفت في نهاية الأمر أنها صغائر وتفاهات ((كم هو شريف أن تخلو الحياة من الأوهام، والنفاق، والكذب، ولكن لم تصبح قبيحة، مريرة، إذا غدت هكذا؟!

إننا نقضي على سعادتنا عندما نطرد آخر الأوهام من نفوسنا)) (٤) .

هذه هي الحياة بكل تناقضاتها، علينا أن نفقه حقيقتها، فالحديث عن “ المثاليات ” في الحياة، والبحث عن “ اليوتوبيا ”، وحياة بلا منغصات أو صغائر أمر مستحيل، فعلينا أن نؤمن بهذه الحقيقة، وأن نتوازن داخلياً للسير في طريق مليء بالأشواك؛ لأن صدمة هذه الحقيقة أخف من صدمة الإيمان بوجود حياة مثالية لا وجود لها ((الحياة في إجمالها ليست اختياراً، ولكنها شيء فرض علينا فلابد من استقبال متطلباته على أي نحو، وإذن فعلينا أن نحتفظ بكل قوانا وحواسنا وأعصابنا في حالة توازن واستعداد للسير مع السائرين.


(١) نفسه ص ٥٤.
(٢) نفسه ص ٤٣.
(٣) نفسه ص ٩٠.
(٤) نفسه ص ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>