للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحياة حركة دائبة، وتطلع متوثب، ولا سبيل لفهم الحياة، والاستمتاع بها، وتحقيق الوجود الإنساني فيها، إلا بالسعي في أكنافها، والتأمل في حركتها، والتوازن مع إيقاعها الذي لا يهدأ، توازناً دقيقاً لا تكون الحركة فيه تهوراً وإيقاعاً ناشزاً، ولا يكون الوقوف نوماً عميقاً، وموتاً أبدياً.

بهذا المقياس الدقيق تكون الحياة حياة حقيقية، ويكون الإنسان “ عملاً صالحاً ”، وعاشقاً للجمال في جوهره، والله جميل يحب الجمال.

وحمزة شحاتة كان يحدثنا عن الحياة في حقيقتها، لا عن حياته الخاصة، وعن شقاية العقل الحيّ، وجهاده لاستيعاب هذه الحقيقة، والتوازن معها، حتى أصبح رأس المفكّر هو مشكلته ((ذلك العبء الثقيل، هو رأسي الذي أنوء بحمله منذ تفطنت للحياة، وغُرست بتجاربها القاسية، ولو أن لي في موضعه من عاتقي رأس حيوان أعجم لما أخطأت العزاء في محنة فمن لي بذاك)) (١) .

يقول عن إشكالية العقل النابض:

أسىً، وأرى الجُهّال قد مُلئوا بشرا

أرى عقلاء القوم فاضت صدورهم

وناشدته عهد الجهادِ، فما أورى

قدحت زنادَ العزم في راجح النُّهى

إلى غاية تستعجل الواثب البكرا

فأيقنت أن العقل أبطأ مركب

فما نورت ليلاً، ولا أظلمت فجرا (٢)

وما العقل إلا يومة طال جُهدها

إنها شكاية ابن مقبل، الذي أدرك هذه الحقيقة واصطلى بنارها فقال:

ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر

تنبو الحوادث عنه وهو ملموم (٣)

يقول حمزة شحاتة:

وهي دنيا الشذوذ يرتفع الجاهل فيها ويستذل الحصيف (٤)


(١) حمار حمزة شحاتة ص ٥٢.
(٢) الديوان ص ١٦٢.
(٣) ديوان ابن مقبل، عني بتحقيقه: عزة حسن، دمشق، مديرية إحياء التراث القديم، ١٣٨١ هـ / ١٩٦٢ م، ص ٢٧٣.
(٤) الديوان ص ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>