للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي اصطلاحِ النّحاةِ هو أن ((تلاقى أصحابُ اللغتينِ، فسَمِعَ هذا لغةَ هذا، وهذا لغةَ هذا، فأخذَ كلُّ واحدٍ منهما من صاحبِه ما ضمّه إلى لغتِه، فتركبت لغةٌ ثالثةٌ)) (١) .

ولعلَّ الجامعَ بينَ التفسيرين اللغويِّ والاصطلاحيِّ بَيِّنٌ، فالآخذُ قد تشابهَتْ عليه اللغتانِ والتبستا حتى جمعَ بينهما في كلامِه، فأخذَ شيئاً من هذهِ وآخرَ من تلكَ.

بيانُ حالِ المُدَاخِل بينَ اللغتين: وإذا كانَ معنى التداخلِ هو إفادَةَ نَاطِقٍ بلغةٍ ما من لغةٍ أخرى، فحريٌّ بنا أن نَعْرِضَ لحالِ المتلقّي أو الآخذِ، ف ((العربُ تختلفُ أحوالُها في تلقي الواحدِ منهم لغةَ غيرِه؛ فمنهم من يخِفُّ ويُسرِعُ قَبُولَ ما يسمعُه، ومنهم من يستعصِمُ فيقيمُ على لغتِه البتّةَ، ومنهم من إذا طالَ تكرُّرُ لغةِ غيرِه عليه لَصِقَتْ بهِ، ووُجِدَت في كلامِه)) (٢) .

فمن هذا النّصِّ يتبينُ أن للمنتحي لغةَ غيرِه ثلاثةَ أحوالٍ، ومن أمثلةِ الصّنفِ المستمسكِ بلغتِه ((قولُ رسولِ اللهِ (وقد قيلَ: يا نبيءَ اللهِ، فقالَ: لستُ بنبيءِ اللهِ ولكنّني نبيُّ اللهِ. وذلكَ أنّه عليه الصلاةُ والسلام أنكرَ الهمزَ في اسمِه فردَّه على قائله)) (٣) .

ولعلَّ من أمثلةِ القبيلِ المستفيدِ من غيرِه قولَ الفرزدقِ:

فأَصْبحُوا قدْ أعادَ اللهُ نِعْمَتَهُم

إذْ هُمْ قُرَيشُ وإذْ ما مِثْلَهُم بَشَرُ (٤)


(١) الخصائص ١ / ٣٦٧، وانظر كذلك: الخصائص ١ / ٣٧٣، ٣٨١، نزهة الطرف للميداني ١٠٠ - ١٠١، شرح أدب الكتاب للجواليقي ٢٣٨، أمالي ابن الشجري ١ / ٢٠٩، شرح المفصّل ٣ / ١٥٤، المزهر ١ / ٢٦٣.
(٢) الخصائص ١ / ٣٨٣.
(٣) الخصائص ١ / ٣٨٣، وفيه أمثلة أخرى.
(٤) انظر ديوانه ٢ / ٢٢٣، الكاتب ١ / ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>