وقد ركز البحث على ذكر أمثلة وشواهد من القرآن الكريم على كل زاوية من الزوايا السابقة وتوضيح الطريقة الأسلوبية المتبعة في كل مثال منها لبيان قُدرة القرآن الكريم - ذلك الكتاب الفذ - على التعبير عن كل الأحوال ومراعاة جميع الظروف والملابسات التي تحيط بالمقام الذي جاءت فيه الآية الكريمة... الأمر الذي يدعو دائمًا إلى الاعتراف بإعجازه البياني والذي أذهل - من قبل - فُصحاء العرب وجلة شعرائهم وأدبائهم.
كما لم يغفل البحث خلال هذه الشواهد ذكر شواهد أخرى من القرآن الكريم نفسه لم يراعِ فيها السّياق مقتضى الظاهر ومع ذلك جاء الأسلوب بليغًا مصيبًا للهدف الذي سيق من أجله.
ثم كان التعقيب في نهاية البحث، أشير فيه إلى أن ما لم يذكره البحث أغنى عنه ما ذُكر، سواء كان ذلك في نقطة خروج الكلام على مقتضى الظاهر أو ما كان على خلاف مقتضى الظاهر، وما ذاك إلا لأن الأحوال كثيرة ومقتضياتها مثلها ومجال نشر البحث لا يسمح بأكثر مما ذُكر، ولولا الإيمان بالمقولة القائلة:"ما لا يُدرك كلُّه لا يُترك كلُّه" ما كانت الجُرأة على أخذ هذه القطرة اليسيرة من ذلك الخضم الهائل الذي غرف منه علماء البلاغة من أساتذتنا ومعلمينا جزاهم الله عنا خير الجزاء.
ولعل من أسباب اختيار هذا الموضوع هو:
الرغبة في إيضاح عبارة "مقتضى الحال" بكل أبعادها، نظرًا لما لا حظته أثناء تدريسي في الجامعة لمادة البلاغة، ومن تخبط الطالبات في تحديد هذا المفهوم - واقتصارهن في فهمه على زاوية واحدة فقط وهي حال المخاطب-، ولما جنيته من نتيجة - أحمد الله عليها - عند إيضاحه لهن - كما ينبغي -.
من هنا كان الدافع قويًّا إلى تخصيص هذا العمل المتواضع لإلقاء الضوء على زوايا هذا المفهوم، وتحديدها تحديدًا يساعد طلبة العلم وطالباته على الفهم الصحيح لها.