للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولإصابة المفصل في هذه الأمور جميعاً وتلك الأغراض، لا بدَّ من حِذق المتكلّم ومهارته في إدراك ما حوله من ملابسات الأحوال أو ظروف السامعين ومستوى ثقافتهم وسبر نفسياتهم وإلا أخطأ الهدف وضلَّ الطريق.

لذا اعتبر القرآن الكريم هو أعلى درجات الكلام بلاغة وأكثرها مطابقاً للأحوال، وكيف لا يكون كذلك وهو من لدن عليم خبير بدقائق الأمور ومقتضياتها، وصدق - عزَّ وجل - في قوله (١) :

{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا}

فالتعبير المطابق لمقتضى الحال لا بدَّ وأن يشتمل على خصائص في الصّياغة وأوضاع في التراكيب تدلُّ دلالة واضحة على معان يكون بها الكلام تاماً وافياً بالغرض مطابقًاً لمتطلبات الموقف الذي سيق من أجله (٢) .

فإذا أريد - مثلاً - التعبير عن رجل له صفات الرجولة والأخلاق المحمودة بكلام مطابق لمقتضى الحال قيل: "هو الرجل" بإثبات "أل التعريف" للمسند، فوقع الكلام - كما هو ملاحظ - مشتملاً على خصوصيَّة معيَّنة اقتضاها المقام النَّفسي تجاه هذا الرجل الممدوح وهو الاحترام له ولصفاته الحسنة.

يقول د. أبو موسى:

"المطابقة إذاً تعني الصِّدق والوفاء بما في النفس"

أو كما قال العلوي:

(هي وصول الإنسان بعبارته كنه ما في قلبه...) (٣) .


(١) سورة النساء: ٨٢
(٢) خصائص التراكيب، دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني، د. محمد أبو موسى، ص٣٨-٣٩، (بتصرُّف) ، ط (٢) ، مكتبة وهبة، القاهرة.
(٣) كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز. يحي بن حمزة العلوي اليمني.١/١٢٢. ط سنة١٩٨٢-دار الكتب العالمية.بيروت لبنان.

<<  <  ج: ص:  >  >>