ثم تطرق الكلام والجدال بيننا إلى الحديث الضعيف، فكان من رأي الشيخين الطنطاوي والمصري أن (الحديث الضعيف) هو سبب البلبلة في قضية الأخذ بالسنة النبوية، وما جرت من مشكلات وخلافات، وأنه ينبغي إهماله كلياً. وكان من رأي الذي شاركني فيه الأستاذ محمد على الصابوني والأستاذ خير الله طاهر، أن الحديث الضعيف يؤخذ به في فضائل الأعمال، ومناقب الرجال - كما هو رأي السلف-، وأنه يتأيّد بغيره من الأحاديث فيصبح قوي الاعتبار، وأن الضعف إنّما هو في السند وليس في المتن، وقد كان أبو حنيفة يقدمه على القياس، الذي هو الأصل الثالث من أصول التشريع الإسلامي.
فقال الدكتور المصري: إن الحديث الضعيف هو سبب الخلاف بين الأئمة والفقهاء، فهذا يراه قويا، وهذا يراه صحيحاً أو حسناً، ويجب أن ينتهي هذا الخلاف.
قلت للدكتور أمين: إن هذا دليل على دراسة هؤلاء الأئمة للأسانيد، والاجتهاد في تنقية السنة النبوية، ومعرفة صحيحها من ضعيفها، وليس الحديث الضعيف وحده هو سبب الخلاف في فقه السنة، فقد اختلفوا في الأخذ بمفهوم الحديث الصحيح أيضاً، فهذا فهمه على وجه، وذاك فهمه على وجه آخر، من حيث المعنى لا من حيث السند فحسب.
كما أن الخلاف في فقه السنة بدأ بين الصحابة قبل الأئمة - وفي حياة الرسول (نفسه، وبعد وفاته، فقد اختلفوا في فهم قوله (: (لا يصلينّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة) فبعضهم صلاّها في الطريق، لأنه فهم من أمر الرسول، أنه الحثّ على الاسراع، وبعضهم صلاّها في بني قريظة، لأنه أخذ الأمر بحرفه، وقد أقرّ الرسول (كلا الفريقين على عمله.