للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخاوف والمحاذير هذا أمر صعب. والعلماء يجيبون عن هذا جوابين: بعضهم يقول: الخشية التي هي شرك بالله والتي يحذر الله منها خشية الأصنام والخوف من المعبودات من دون الله. وهذا النوع دلت عليه آيات كثيرة؛ لأن عبدة الأصنام يخوّفون من يسبّ الأصنام بأنّ الأصنام ستفعل له وتفعل؛ كما قالوا لنبي الله هود: {إِنْ نَقُولُ إِلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ من دونه مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ، إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ} الآية١. وكذلك لما خوفوا منها نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقالوا له: ستفعل بك أصنامنا وتفعل، قال لهم: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ٢. وخوف بها نبي الله صلوات الله وسلامه عليه؛ كما نص الله عليه في سورة الزمر في قوله: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} ٣، ثم ردّ عليهم، قال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} ٤، وفي قراءة أخرى: {كافي عباده} ، وهذا كثير في القرآن، وهذه الخشية التي خاف صاحبها من عاقبة الأصنام كفر بالله وشرك به. وقال بعض العلماء: هي الخشية الدنيوية من الناس إذا كانت تحمل الإنسان على أن يعصي الله؛ كالذي يخشى من الكفار، ويجبن عن الجهاد في سبيل الله، كما تقدم في قوله: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ٥. أما مايعرض للإنسان من الخوف من الأشياء والمحاذير بجبلته، فهذا أمر لا مخالفة فيه؛ لأنّ الله لا


١ سورة هود، الآيتان [٥٤-٥٥] .
٢ سورة الأنعام، الآية [٨١] .
٣ سورة الزمر، الآية [٣٦] .
٤ سورة الزمر، الآية [٣٦] .
٥ سورة التوبة، الآية [١٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>