للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ ذكر -رحمه الله- التوجيه الثاني والثالث، فقال: "إنّ معنى "متوفيك" أي مُنيمك. ورافعك إليّ: أي في تلك النومة. وقد جاء في القرآن إطلاق الوفاة على النوم في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} ١، وقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} ٢، وعزا ابن كثير هذا القول للأكثرين، واستدلّ بالآيتين المذكورتين٣.

الوجه الثالث: أنّ متوفيك، اسم فاعل توفاه، إذا قبضه وحازه إليه، ومنه قولهم: توفى فلان دينه، إذا قبضه إليه. فيكون معنى (متوفيك) على هذا: قابضك منهم إليّ حيا. وهذا القول هو اختيار ابن جرير٤. وأما الجمع بأنه توفاه ساعات أو أياماً، ثمّ أحياه، فالظاهر أنه من الإسرائيليات. وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن تصديقها وتكذيبها٥.

ثمّ قال -رحمه الله-: "وأما الوجه الرابع من الأوجه المذكورة سابقاً: أن الذين زعموا أنّ عيسى قد مات، قالوا: إنه لا سبب لذلك الموت، إلا أنّ اليهود قتلوه وصلبوه. فإذا تحقق نفي هذا السبب وقطعهم أنه لم يمت بسبب غيره تحققنا أنه لم يمت أصلاً. وذلك السبب الذي زعموه منفيّ يقيناً بلا شك؛ لأنّ الله جلّ وعلا قال: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} ٦، وقال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ} ٧. وضمير رفعه ظاهر في رفع الجسم والروح معاً كما لا يخفى"٨.


١ سورة الأنعام، الآية [٦٠] .
٢ سورة الزمر، الآية [٤٢] .
٣ تفسير ابن كثير ١/٣٦٦.
٤ تفسير الطبري ٣/٢٩١.
٥ دفع إيهام الاضطراب –الملحق بالأضواء- ١٠/٥١-٥٢.
٦ سورة النساء، الآية [١٥٧] .
٧ سورة النساء، الآيتان [١٥٧-١٥٨] .
٨ أضواء البيان ٧/٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>