صحيحا. فقد يكون الفكون قد تعاطى التدريس زمنا ثم تخلى عنه لمآرب أخرى أهم وأخطر وهي كما لاحظنا تلك الوظائف الجديدة والمهمات السياسية والدينية التي تقلدها. ولكن مقالة الثعالبي غير ذلك. فهو يفسر كلام الفكون السابق بقوله:(يعني لفساد الزمان وعدم إخلاص النية في طلب العلم). هذا كلام لا يمكن في نظرنا أن يصدق على الفكون الذي كان يعتبر القيام بالتدريس والنهي عن المنكر ومحاربة البدع والآفات، جهادا يقوم به في سبيل الله.
والغريب أن العياشي الذي عرف الفكون شخصيا والتقى بولده وتتلمذ على الثعالبي، تلميذ الفكون، يردد تقريبا نفس العبارة التي نسبها الثعالبي للفكون وهي (علم طلبناه لله وتركناه لله) ولكن في مقام آخر. لقد ذكرها في مقام التصوف لا في مقام التدريس، فالفكون في نظر العياشي تحول من علم الظاهر إلى علم الباطن قائلا أن الفكون إذا سئل عن علوم أهل الرسوم (علوم الظاهر) يقول: (قرأتها لله وتركتها لله). فأنت ترى أن العبارة واحدة، ولكن العياشي استعملها بشأن تخلي الفكون عن العلوم العقلية والتوجه إلى التصوف أو علوم أهل الحقيقة، بينما استعمل الثعالبي نفس العبارة بشأن تخلي الفكون عن التدريس. ويبدو لنا أن المؤلفين الإثنين انطلقا من قناعات شخصية. فالثعالبي كان يجمع بين علوم الظاهر وعلوم الباطن وكان كما يقول مترجموه محبوبا من أهل الشريعة وأهل الحقيقة على السواء، فلم يمدح، بل لم يذكر حتى عابرا، تخلى الفكون عن العلوم العقلية لأنه لا يرى ذلك شيئا يستحق المدح والتنويه وكان العياشي، وهو من