ولعل أكبر الثورات التي لم يؤرخ لها الفكون لأنها وقعت بعد تأليف كتابه، ثورة الذواودة المعروفة أيضا بثورة ابن الصخري. وقد كنا بسطنا القول في هذه الثورة في غير هذا المكان (١) وحسبنا هنا أن نشير إلى أنها من أعنف الثورات التي وقعت ضد العثمانيين في إقليم قسنطينة، وهي تشبه في اتساعها وموقعها ثورة ١٨٧١ ضد الفرنسيين، رغم أن الأولى أطول عمرا، وقد تدخل لإخماد هذه الثورة باشوات الجزائر وبايات قسنطينة وكثير من الجنود والأسلحة، وهزت هذه الثورة المجتمع والعلاقات العائلية وكشفت عن حقيقة الولاء عند البعض وزيفه عند البعض الآخر، ووقف العلماء ورجال الدين منها موقفا في الغالب مع السلطة، وعلى رأسهم عبد الكريم الفكون الذي نترجم له. ومهما كان الأمر فإن ثورة الذواودة وقعت سنة ١٠٤٧ وعندما توفي الفكون سنة ١٠٧٣ لم يكن إقليم قسنطينة أكثر استقرارا مما كان عليه. ذلك أن من أهم الثورات التي طال عهدها أيضا ثورة الشابية، وهكذا يتضح أن إقليم قسنطينة الذي كان كثير السكان واسع الأطراف، كان في نفس الوقت كثير الهزات السياسية والعسكرية، وهذه بدورها لا تسمح بالرخاء الاقتصادي ولا الرقي الاجتماعي.
وسواء كان الوضع مستقرا أو متأزما في الإقليم فإن الإدارة العثمانية كانت قد توطدت أثناء حياة عبد الكريم الفكون وأصبح لها تقاليد ومعاملات خاصة بها فهي ليست الإدارة القديمة التي كانت موجودة أثناء العهد الحفصي من جميع النواحي كان
(١) انظر، كتابنا. تاريخ الجزائر الثقافي ٢١٣/ ١، ط٢ (١٩٨٥).