وعرف إقليم قسنطينة في القرن الموالي نشاطا واضحا في الحياة الثقافية لم تؤثر فيه كثير من الأحداث السياسية التي عرفتها المنطقة. فقد انتشرت الزوايا، بعضها تحت رعاية الطرق الصوفية في الأرياف وبعضها تحت رعاية العائلات الكبيرة في المدينة. وكانت هناك بعض المدارس المخصصة لنشر العلم، كما كان هناك جامع الزيتونة القريب والذي كان الطلبة يقصدونه بقطع النظر عن التحولات السياسية. صحيح أن الحياة العلمية لم تكن مزدهرة وأن العلماء كانوا يكتفون بالقليل من العلم لتولي المناصب الشرعية، وصحيح أن الدراويش قد كثروا ودجاجلة التصوف قد تعددوا وبذلك تكون حملة الفكون عليهم ليست مبالغة ولا ادعاء. وإنما كان يصف واقعا أخذ يتضخم تدريجيا ويهدد الحياة العقلية في البلاد بأسرها، ومن ثمة يهدد وجود الإسلام نفسه ولغته العربية.
فإذا عدنا إلى القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وجدنا الشرق الجزائري قد عرف شخصيات علمية متميزة. من بينها عمر الوزان ويححيى الفكون بمدينة قسنطينة وعبد الرحمان الأخضري من الزيبان. وقد أخرج هؤلاء الرجال مجموعة من التلاميذ البارزين منهم من قاد العلم فيما يأتي من الأيام ومنهم من جمع بين العلم والتصوف، بل منهم من تزعم ثورات هددت النظام العثماني في قسنطينة مثل يحيى الأوراسي. وقد سبق لنا أن ترجمنا للشيخ عمر الوزان فلا حاجة إلى تكرار ذلك هنا (١)
(١) انظر ترجمته في كتابنا (تاريخ الجزائر الثقافي) ج ١/ ٣٨٧، ط ٢ (١٩٨٥).