للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوطن لم تكن على ما يرام في نظر الفكون وأنه فكر في الرحيل عن وطنه إلى وطن آخر، لعله يجد الرضى والراحة النفسية، ثم عدل عن ذلك لأن جميع أوطان المسلمين في النهاية متشابهة وأن الفساد قد عمها جميعا، فلا مهرب من قضاء الله إلا إلى قضاء الله.

ويبدو أن الفكون قضى الأربعين سنة الأولى من القرن الحادي عشر (١٧ م) في كنف والده. فكان يوسع معارفه بالقراءة في المكتب والتعليم والمذاكرة والمجالسة. وكان ينوب عن والده في الصلاة بالجامع الكبير (الأعظم). وكان يؤلف الكتب والرسائل، وكان يدرس أحوال العصر ويراقب تنافس العلماء على أصحاب السلطة وانتشار التصوف الكاذب على يد دراويش ومجاذيب. وكان يرى أحوال البلاد تسوء في الإدارة والقضاء والاقتصاد والأخلاق. فكان يحز كل ذلك في نفسه فلا يجد مجالا للتعبير عنه إلا في تسويد الصحائف ونصح من توسم فيه تقبل النصح وتعليم الوافدين على قسنطينة ومساعدة المحتاجين، وسنرى كيف انطبعت هذه الحالة على مؤلفاته التي كتبها في الواقع جميعا في الفترة المذكورة.

لم يخبر الفكون عن زواجه وشؤون العائلة إلا قليلا ولكن ما جاء به من أخبار يساعدنا على فهم حياته الخاصة وسلوكه حتى وهو في ريعان شبابه. فقد تزوج ابنة أحمد (حميدة) بن حسن الغربي، الذي كان من بيوتات قسنطينة والذي كانت له بعض المناصب الشرعية كالقضاء والفتوى. وكان من أهل الشورى في

<<  <   >  >>