والأصولي لا يبحث في الأدلة الجزئية، ولا فيما تدل عليه من الأحكام الجزئية. وإنما يبحث في الدليل الكلي، وما يدل عليه من حكم كلي ليضع قواعد كلية لدلالة الأدلة كي يطبقها الفقيه على جزئيات الأدلة لاستثمار الحكم التفصيلي منها. والفقيه لا يبحث في الأدلة الكلية ولا فيما يدل عليه من أحكام كلية، وإنما يبحث في الدليل الجزئي وما يدل عليه من حكم جزئي.
الغاية المقصودة بهما:
الغاية المقصودة من علم الفقه هي تطبيق الأحكام الشرعية على أفعال الناس وأقوالهم. فالفقه هو مرجع القاضي في قضائه والمفتي في فتواه ومرجع كل مكلف لمعرفة الحكم الشرعي فيما يصدر عنه من أقوال وأفعال. وهذه هي الغاية المقصودة من كل القوانين في أية أمة، فإنها لا يقصد منها إلا تطبيق موادها وأحكامها على أفعال الناس، وأقوالهم وتعريف كل مكلف بما يجب عليه وما يحرم عليه.
وأما الغية المقصودة من علم أصول الفقه فهي تطبيق قواعده ونظرياته على الأدلة التفصيلية للتوصل إلى الأحكام الشرعية التي تدل عليها. فبقواعده وبحوثه تفهم النصوص الشرعية ويعرف ما تدل عليه من الأحكام ويعرف ما يزال به خفاء الخفي منها. وما يرجع منها عند تعارض بعضها ببعض، وبقواعده وبحوثه يستنبط الحكم بالقياس أو الاستحسان أو الاستصحاب، أو غيرها في الواقعة التي لم يرد نص بحكمها، وبقواعده وبحوثه يفهم ما استنبطه الأئمة المجتهدون حق فهمه. ويوازن بين مذاهبهم المختلفة في حكم الواقعة الواحدة؛ لأن فهم الحكم على وجهه والموازنة بين حكمين مختلفين لا يكون إلا بالوقوف على دليل الحكم ووجه استمداد الحكم من دليل، ولا يكون هذا إلا بعلم أصول الفقه فهو عماد الفقه المقارن.
نشأة كل منهما وتطوره:
نشأت أحكام الفقه مع نشأة الإسلام؛ لأن الإسلام هو مجموعة من العقائد والأخلاق والأحكام العملية، وقد كانت هذه الأحكام العملية في عهد الرسول مكونة من الأحكام التي وردت في القرآن. ومن الأحكام التي صدرت من الرسول فتوى في واقعة أو قضاء في خصومة أو جوابا عن سؤال، فكانت مجموعة الأحكام الفقهية في طورها الأول مكونة من أحكام الله ورسوله، ومصدرها القرآن والسنة.