للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شرط صحة التكليف بالفعل:

يشترط في الفعل الذي يصح شرعا التكليف به ثلاثة شروط:

أولها: أن يكون معلوما للمكلف علما تام حتى يستطيع المكلف القيام به كما طلب منه.

وعلى هذا فنصوص القرآن المجملة؛ أي التي لم يبين المراد منها، لا يصح تكليف المكلف بها إلا بعد أن يلحق بها بيان الرسول عليه الصلاة والسلام. فقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} لم يبين النص القرآني أركان الصلاة، وشروطها وكيفية أدائها، فكيف يكلف بالصلاة من لا يعرف أركانها وشروطها وكيفية أدائها؟ لذلك بين الرسول عليه الصلاة والسلام هذا المجمل وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي".

وكذلك الحج والصوم والزكاة، وكل فعل متعلق به خطاب من الشارع مجمل لا يعلم مراد الشارع به، لا يصح التكليف به، ولا مطالبة المكلفين بامتثاله إلا بعد بيانه، ولهذا أعطى الله رسوله سلطة التبيين بقوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وبين الرسول بسنته القولية والفعلية ما أجمل في القرآن. واتفق العلماء على أنه لا يسوغ تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه.

وثانيها: أن يكون معلوما أن التكليف به صادر ممن له سلطان التكليف. وممن يجب على المكلف اتباع أحكامه؛ لأنه بهذا العلم تتجه إرادته إلى امتثاله، وهذا هو السبب في أن أول بحث في أي دليل شرعي هو حجيته على المكلفين. أي أن الأحكام التي يدل عليها أحكام واجب على المكلف تنفيذها. وهو السبب أيضا في أن كل قانون وضعي يتوج بالديباجة الخاصة التي تدل على أن الحاكم أصدر القانون بناء على عرض مجلس الوزراء وموافقة البرلمان، ليعلم المكلفون أن القانون صادر ممن لهم سلطان التشريع، وممن يجب عليهم امتثال تكاليفهم، فيتجهوا للتنفيذ.

ويلاحظ أن المراد بعلم المكلف بما كلف به إمكان علمه به، لا علمه به فعلا، فمتى بلغ الإنسان عاقلا قادرا على أن يعرف الأحكام الشرعية بنفسه أو بسؤال أهل الذكر عنها، اعتبر عالما بما كلف به، ونفذت عليه الأحكام وألزم

<<  <   >  >>