للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بآثارها ولا يقبل منه الاعتذار بجهلها، ولهذا قال الفقهاء: لا يقبل في دار الإسلام عذر الجهل بالحكم الشرعي؛ لأنه لو شرط لصحة التكليف علم المكلف فعلا بما كلف به ما استقام التكليف، واتسع المجال للاعتذار بجهل الأحكام.

وعلى هذا التقنين الوضعي، فالناس يعتبرون عالمين بالقانون بتيسير إمكان علمهم به، وذلك بنشره بالطريق القانوني بعد إصداره، ولا اعتبار؛ لأن كل فرد من المكلفين علم به فعلا أو لا، ولذا جاء في مادة ٢٢ من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية: "لا يقبل من أحد أن يدعى بجهله القانون". وكذلك المراد بعلم المكلف بأن تكليفه بما كلف به صادر ممن يجب عليه امتثال أحكامه، إمكان علمه بهذا لا علمه به فعلا.

فكل حكم شرعي يمكن للمكلف أن يعرف دليله، وأن يعرف أن دليله حجة شرعية، على المكلفين اتباع ما يستمد منه. سواء أكان هذا بنفسه أم بواسطة سؤال أهل الذكر عنه.

وثالثها: أن يكون الفعل المكلف به ممكنًا، أو أن يكون في قدرة المكلف أن يفعله أو أن يكلف عنه. ويتفرع عن هذا الشرط أمران:

أحدهما: أن لا يصح شرعا التكليف بالمستحيل، سواء أكان مستحيلا لذاته أم مستحيلا لغيره، فالمستحيل لذاته أي المستحيل عقلا هو ما لا يتصور العقل وجوده، كالجمع بين الضدين، مثل إيجاب الفعل وتحريمه في وقت واحد على شخص واحد أو الجمع بين النقيضين كالنوم واليقظة في وقت واحد والمستحيل لغيره، أو العادي، ما يتصور العقل وجوده، ولكن ما جرت سنن الكون ولا العادة المطردة بوجوده، كطير الإنسان في الهواء بغير طائرة ووجود زرع بغير بذرة؛ لأن ما لا يتصور وجوده عقلا أو عادة لا يمكن المكلف فعله، وهو ليس في وسعه، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو حكيم منزه عن العبث وعن التكليف بفعل ما لا سبيل إلى فعله، وعن هذا تفرع قول الأصوليين: "الشخص الواحد في الوقت الواحد بالشيء الواحد لا يؤمر وينهى"؛ لأن هذا تكليف بالجمع بين النقيضين، وهما فعل الشيء وتركه في وقت واحد من مكلف واحد.

وثانيهما: أنه لا يصح شرعا تكليف المكلف بأن يفعل غيره فعلا أو يكف غيره من فعل؛ لأن فعل غيره أو كف غيره ليس ممكنا له هو. وعلى هذا لا يكلف

<<  <   >  >>