للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنسان بأن يزكي أبوه أو يصلي أخوه أو يكف جاره عن السرقة. وكل ما يكلف به الإنسان مما يخص غيره هو النصح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهذا من فعله المقدور له.

وكذلك لا يصح شرعا أن يكلف الإنسان بأمر من الأمور الجبلية للإنسان التي هي مسببات لأسباب طبيعية ولا كسب للإنسان فيها، ولا اختيار، كالانفعال عند الغضب، والحمرة عند الخجل، والحب والبغض، والحزن والفرح، والخوف، حين وجود أسبابها، والهضم والتنفس، والطول والقصر، والسواد والبياض، وغير ذلك من الغرائز التي فطر عليها الناس، ووجودها وعدمها خاضع لقوانين خلقية، وليس خاضعًا لإرادة المكلف واختياره، فهي خارجة عن قدرته، وليست من الممكنات له.

وإذا ورد في بعض النصوص ما يدل ظاهره على أن فيه تكليفا بما ليس مقدورا للإنسان من هذه الأمور، فهو ليس على ظاهره، وبتحقيق النظر فيه يتبين أنه تكليف بما هو مقدور.

مثلًا قوله -صلى الله عليه وسلم: "لا تغضب" ظاهره التكليف بالكف عن أمر طبيعي غير كسبي وهو الغضب عند وجود داعيته، ولكن حقيقته التكليف بالكف عما يعقب الغضب، ويلحق الغضوب من ثورة نفسه ومظاهر انتقامه، فالمراد: اضبط نفسك حين الغضب وكفها عن آثاره السيئة.

وقوله عليه الصلاة والسلام: "كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل"، ظاهره التكليف بأن يقتله غيره، ولكن حقيقته التكليف بأن لا يظلم ولا يبدأ بعدوان، فالمراد: لا تظلم.

وقوله عليه الصلاة والسلام: "أحبوا الله لما أسدى عليكم من نعمه". ظاهره التكليف بالحب. ولكن حقيقته التكليف بالنظر في النعم التي أسداها الله إليكم حتى تكونوا دائمًا ذاكرين شاكرين.

وقوله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ظاهره تكليفهم الآن بأن يكونوا حين يموتون مسلمين، ولكن حقيقته تكليفهم الآن بأن يسيروا في طريق يثبت

<<  <   >  >>