الواجب على من يخاف الجور، وهو المقصود أصالة من سياق الآية، وهذا استتبع بيان إباحة الزواج، فإباحة الزاج مقصود تبعا لا أصالة، والمقصود أصالة: قصر عدد الزوجات على أربع، أو واحدة، ولو اقتصر على الدلالة على المعنى المقصود من السياق لقال: وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فاقتصروا على عدد الزواجات لا يزيد على أربع، فإن خفتم أن لا تعدلوا بين العدد منهم فاقتصروا على واحدة.
٢- إشارة النص:
المراد بما يفهم من إشارة النص المعنى الذي لا يتبادر فهمه من ألفاظه، ولا يقصد من سياقه، ولكنه معنى لازم للمعنى المتبادر من ألفاظه، فهو مدلول اللفظ بطريق الالتزام، ولكونه معنى التزاميا وغير مقصود من السياق كانت دلالة النص عليه بالإشارة لا بالعبارة، وقد يكون وجه التلازم ظاهرًا، وقد يكون خفيًّا، ولهذا قالوا: إن ما يشير إليه النص قد يحتاج فهمه إلى دقة نظر ومزيد تفكير، وقد يفهم بأدنى تأمل، فدلالة الإشارة هي دلالة النص عن معنى لازم لما يفهم من عبارته غير مقصود من سياقه؛ يحتاج فهمه إلى فضل تأمل أو أدناه، حسب ظهور وجه التلازم وخفائه.
مثال هذا قوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
يفهم من عبارة هذا النص أن نفقة الوالدات من رزق وكسوة، واجبة على الآباء؛ لأن هذا هو المتبادر من ألفاظه، المقصود من سياقه، ويفهم من إشارته أن الأب لا يشاركه أحد في وجوب النفقة لوالده عليه؛ لأن ولده له لا لغيره، والأب لو كان قرشيا والأم غير قرشية يكون الوالد لأبيه قرشيا؛ لأن ولده له لا لغيره، وأن الأب له عند احتياجه أن يتملك بغير عوض من مال ابنه ما يسد به حجته؛ لأن ولده له، فمال ولده له، وإنما فهمت هذه الأحكام من إشارة النص؛ لأن في ألفاظ النص نسبة المولود لأبيه بحرف اللام الذي يفيد الاختصاص {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} ، وهذا الاختصاص هو المعبر عنه في الحديث "أنت ومالك لأبيك" ومن لوازم هذا الاختصاص ثبوت هذه الأحكام، فهي أحكام لازمة لمعنى مفهوم من عبارة النص وغر مقصودة من سياقه، ولذا كان فهمها من إشارته لا من عبارته.