للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي ذكر فيه، ويكون حجة على ثبوت نقيض حكمه في الواقعة التي وردت فيه إذا كانت على خلاف الوصف، أو الشرط، أو الغاية، أو العدد الذي ذكر فيه، ويسمى حكمه الأول منطوقه، ويسمى حكه الثاني مفهومه المخالف، فالتحريم للدم المسفوح، والتحليل للدم غير المسفوح، كل منهما مدلول قوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} .

وذهب الأصوليون من الحنفية؛ إلى أن النص الشرعي الدال على حكم في واقعة، إذا قيد بوصف أو شرط بشرط، أو حدد بغاية أو عدد، لا يكون حجة إلا على حكمه في واقعته، التي ذكرت فيه بالوصف أو الشرط أو الغاية أو العدد الذي ذكر فيه، وأما الواقعة التي انتفى عنها ما ورد فيه من قيد، فلا يكون حجة على حكم فيها، بل يكون النص ساكتًا عن بيان حكمها، فيبحث عن حكمها بأي دليل من الأدلة الشرعية التي منها أن الأصل في الأشياء الإباحة.

استدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بعدة أدلة، أظهرها اثنان:

الأول: أن المتبادر إلى الفهم من أساليب العرب وعرفهم في استعمال عباراتهم؛ أن تقييد الحكم بوصف أو شرط، أو تحديده بغاية أو عدد، يدل على إثبات الحكم حيث يوجد القيد، وعلى نفيه حيث ينتفي، فمن قال: مطل الغني ظلم، يفهم من قوله أن الفقير ليس كذلك، ومن قال: هب ابنك ساعة إذا نجح، يفهم منه لا تهبه إذا لم ينجح.

ولهذا لما رأى عمر أنهم يقصرون الصلاة في السفر، ولا خوف من فتنة الكفار لهم، تعجب من هذا وسأل الرسول: ما بالنا نقصر الصلاة في الأمن؟ فقال الرسول: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته"، ومنشأ هذا التعجب أن عمر فهم من قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} أنهم إن لم يخافوا الفتنة لا يقصرون، وهذا هو مفهوم المخالفة، والرسول في جوابه لم يخطئه في فهمه، وإنما دل على أن الله وسع عليهم ورخص لهم في حل الأمن أيضا.

والثاني: أن القيود التي ترد في النصوص، لا بد أن تكون لحكمة؛ لأن الشارع لا يقيد بوصف أو شرط أو غاية أو عدد عبثا، وأظهر ما يتبادر إلى الفهم

<<  <   >  >>