للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن تكون هذه الحكمة تخصيص الحكم بما وجد فيه القيد، والتخصيص يقتضي نفي الحكم عما لم يوجد فيه القيد، ولا فرق في هذا بين النص الشرعي وغيره من عبارات الناس، إلا إذا دلت قرينة على أن الوصف أو الشرط أو غيرهما، ليس للقيد بل لغرض آخر مثل التفخيم، أو المدح أو لذم أو الجري على الغالب، فلا يحتج بمفهوم المخالفة له.

واستدل الأصوليون من الحنفية على مذهبهم بعدة أدلة، أظهرها اثنان:

الأول: أنه ليس مطردًا في الأساليب العربية أن تقييد الحكم بوصف أو شرط أو تحديده بغاية أو عدد، يدل على إثبات الحكم حيث يوجد القيد وعلى نفيه حيث ينتفي، وكثيرًا ما ترد العبارة مقيدة، ويتردد السمع في فهم حكم ما انتفى فيه القيد، ويسأل المتكلم عنه ولا يستنكر عليه السؤال فمن قال: إذا سألك صباحًا فاقض حاجته، لا ينكر على سامعه إذا استفهم عمن سأله مساء، وإذا كانت الدلالة على نفي الحكم حيث ينتفي القيد غير مقطوع بها، فلا يكون النص الشرعي حجة عليه؛ لأن النصوص الشرعية يجب الاحتياط في الاحتجاج بها، ولا تكون حجة بمجرد الاحتمال.

والثاني: أن كثيرًا من النصوص الشرعية التي دلت على أحكام وقيدت بقيود، لم ينتف حكمها حيث انتفى القيد، بل ثبت حكم النص للواقعة التي فيها القيد، وللواقعة التي انتفى عنها، فالصلاة في السفر تقصر إن خاف المصلون فتنة الذين كفروا وإن لم يخافوا، مع أن النص شرط القصر بهذا الشرط: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُو} ، والربيبة تحرم على زوج أمها إذا كانت في حجره وإذا لم تكن حجره، مع أن النص قيد التحريم بهذا الوصف: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} ، فالاحتياط في فهم النص الشرعي يوجب أن لا يحتج به على نفي الحكم إذا انتفى القيد، وكثير من النصوص، بعد أن ذكرت الحكم المقيد، نصت على مفهوم المخالفة له، مثل قوله تعالى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} ، وقوله: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} ، وهذا دليل على أنه غير مفهوم قطعا من النص السابق، وإلا ما ذكره ثانيا.

<<  <   >  >>