ويظهر أثر هذا الخلاف في مثل قوله تعالى في توريث بنات المتوفى:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} مع قول الرسول لأخي سعد بن الربيع: "أعط ابنتي سعد الثلثين وزوجه الثمن وما بقي فهو لك"، فعلى مذهب الجمهور يوجد تعارض بين مفهوم المخالفة للآية، وهو أن الواحدة والاثنتين لا يرثن الثلثين، وبين منطوق هذا الحديث الذي ورث البنتين الثلثين، ويرجح المنطوق، وعلى مذهب الأصوليين من الحنفية لا تعارض؛ لأن الحديث بين حكم واقعة مسكوت عنها في آية توريث البنات. وفي مثل قوله تعالى في قصر الصلاة في السفر:{إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُو} مع قصر الرسول الصلاة في السفر حال الأمن وعدم خوف فتنة الذين كفروا، فعلى مذهب الجمهور يوجد تعارض بين مفهوم المخالفة ومنطوق الحديث، وعلى مذهب الأصوليين من الحنفية لا تعارض.
والذي نستخلصه من المقارنة، والمقابلة بين أدلة الطرفين أن النص الشرعي حجة على مفهوم المخالفة للوصف أو الشرط أو الغاية أو العدد، ولكن بعد الحبث وإمعان النظر والتحقق من أن القيد الوارد في النص، إنما ورد للتخصيص والاحتراز به عما عداه، ولم يرد لحكمة أخرى، ولم يعارض هذا المفهوم بمنطوق نص آخر.
وأما إذا دلت القرينة على أن القيد ليس للتخصيص ولا للاحتراز، بل ورد جريًا على الغالب مثل:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} ، أو لمجرد تفخيم الأمر مثل قول الرسول:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج"، أو لأية حكمة أخرى يدل عليها سياق النص أو حكمة التشريع، فلا يكون النص حجة على مفهوم المخالفة فيه.
هذا الاحتياط كما تجب مراعاته في النصوص الشرعية، تجب مراعاته في نصوص القوانين الوضعية، وبهذا قررت محكمة النقض في ٣٠ مايو سنة ١٩٣٥ أن وسائل الإثبات الواردة في مادة ٢٩ من القانون المدني ليست واردة على سبيل الحصر، فلا تكون حجة على أن ما عداها ليس وسيلة للإثبات، وعلى هذا إذا قدمت ورقة في قضية وتناولتها المرافعة بالجلسة؛ فهذا كاف في إثبات تاريخ الورقة المقدمة في الجلسة.