الظاهر، والنص، والمفسر، والمحكم، وهي في وضوح دلالتها على هذا الترتيب فالمحكم أوضحها دلالة، ويليه المفسر، ثم النص، ثم الظاهر، وتظهر ثمرة هذا التفاوت عند التعارض.
١- الظاهر:
الظاهر في اصطلاح الأصوليين هو ما دل على المراد منه بنفس صيغته من غير توقف فهم المراد منه على أمر خارجي، ولم يكن المراد منه هو المقصود أصالة من السياق ويحتمل التأويل.
فمتى كان المراد يفهم من الكلام من غير حاجة إلى قرينة، ولم يكن هو المقصود الأصلي من سياقه، يعتبر الكلام ظاهرا فيه.
فقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ظاهر في إحلال كل بيع وتحريم كل ربا؛ لأن هذا معنى يتبادر فهمه من لفظي:"أحل وحرم" من غير حاجة إلى قرينة، وهو غير مقصود أصالة من سياق الآية؛ لأن الآية كما قدمنا مسوقة أصالة لنفي المماثلة بين البيع والربا ردا على الذين قالوا:{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} لا لبيان حكميهما.
وقوله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} ظاهر في إباحة نكاح ما حل من النساء؛ لأن هذا معنى يتبادر فهمه من لفظ، فانكحوا ما طاب لكم منهن من غير توقف على قرينة، وهو غير مقصود أصالة من سياق الآية؛ لأن المقصود أصالة من سياقها هو قصر العدد على أربع أو واحدة كما قدمنا.
وقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ظاهر في وجوب طاعة الرسول في كل ما أمر به وكل ما نهى عنه؛ لأنه يتبادر فهمه من الآية، وليس هو المقصود أصالة من سياقه؛ لأن المقصود أصالة من سياقه هو: ما آتاكم الرسول من الفيء حين قسمته فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا.
وقوله -صلى الله عليه وسلم- في البحر:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته"، ظاهر في حكم ميتة البحر؛ لأنه ليس المقصود أصالة من السياق، إذا السؤال خاص بماء البحر.
وحكم الظاهر أنه يجب العمل بما ظهر منه ما لم يقم دليل يقتضي العمل بغير ظاهره؛ لأن الأصل عدم صرف اللفظ عن ظاهره إلا إذا اقتضى ذلك دليل،