فسبب الخفاء في الخفي ليس من نفس اللفظ، ولكن من الاشتباه في انطباق معناه على بعض الأفراد لعوامل خارجية، وأما سبب الخفاء في المشكل فمن نفس اللفظ لكونه موضوعا لغة لأكثر من معنى، ولا يفهم المعنى المراد منه بنفسه، أو لتعارض ما يفهم من نص مع ما يفهم من نص آخر.
وقد ينشأ الإشكال في النص من لفظ مشترك فيه، فإن اللفظ المشترك موضوع لغة لأكثر من معنى واحد، وليس في صيغته دلالة على معنى معين مما وضع له، فلا بد من قرينة خارجية تعينه كلفظ القرء في قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} ، فإنه موضوع في اللغة للطهر وللحيض، فأي المعنيين هو المراد في الآية، وهل تنقضي عدة المطلقة بثلاث حيضات أو بثلاثة أطهار؟ ذهب الشافعي وبعض المجتهدين إلى أن القرء في الآية المراد منه الطهر، والقرينة هي تأنيث اسم العدد؛ لأنه يدل لغة على أن المعدود مذكر وهو الأطهار لا الحيضات -وذهبت الحنفية وفريق آخر من المجتهدين إلى أن القرء في الآية هو الحيض والقرينة:
أولًا: حكمة تشريع العدة، فإن الحكمة في إيجاب العدة على المطلقة تعرف براءة رحمها من الحمل، والذي يعرف هذا هو الحيض لا الطهر.
وثانيا: قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} ، فإنه جعل مناط الاعتداد بالأشهر عدم الحيض، فدل على أن الأصل هو الاعتداد بالحيض.
وثالثا: قول الرسول -صلى الله عليه وسلم:"طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان". فالتصريح بأن عدة الأمة بالحيض بيان للمراد بالقرء في اعتداد الحرة، وأما تأنيث اسم العدد فمراعاة تذكير لفظ المعدود وهو القرء.
وقد ينشأ الإشكال في مقابلة النصوص بعضها ببعض، أي يكون كل نص على حدته ظاهر الدلالة على معناه ولا إشكال في دلالته، ولكن الإشكال في التوفيق والجمع بين هذه النصوص. ومثال هذا قوله تعالى:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} مع قوله سبحانه: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} . وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} مع قوله سبحانه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً