للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مطلقًا، سواء كان أول تخصيص أو ثاني تخصيص؛ لأن الظني يخصص بالظني، وأنه لا يتحقق التعارض بين عام وبين خاص قطعي؛ لأن شرط تحقق التعارض بين الدليلين أن يكونا قطعيين أو ظنيين، بل يعمل بالخاص فيما دل عليه. ويعلم بالعام فيما عداه، وحجتهم على ما ذهبوا إليه أن استقراء النصوص الشرعية التي وردت فيها ألفاظ العموم دل على أنه ما من عام إلا وخصص، وعلى أن العام الذي بقي على عمومه نادر جدا، وما استفيد بقاؤه على عمومه إلا من قرينة صاحبته، وإذاكان الشأن والكثير الغالب في كل عام أنه غير باق على عمومه؛ فإذا ورد العام مطلقا عن دليل يخصصه فهو بناء على الكثير الغالب محتمل للتخصيص. وعلى هذا فالعام المطلق عن دليل يخصصه ظاهر في العموم لا قطعي فيه.

وذهب فريق منهم وفيهم الحنفية إلى أن العام الذي لم يخصص قطعي في العموم، فهو قطعي الدلالة على استغراقه لجميع أفراده، وإذا خصص صار ظاهرًا في دلالته على ما بقي بعد التخصيص، أي ظني الدلالة عليه. ففي هذا المذهب: العام الذي لم يخصص قطعي الدلالة على استغراقه جميع أفراده، وإذا خصص صار ظني الدلالة على ما بقي من أفراده بعد التخصيص.

ويترتب على هذا أنه لا يصح أن يخصص العام أول تخصيص بدليل ظني؛ لأن الظني لا يخصص القطعي، وأنه لا يصح أن يخصص ثانيا وثالثا بدليل ظني؛ لأنه بعد التخصيص الأول صار ظنيا، والظني يخصص الظني، وأنه يتحقق التعارض بين العام الذي لم يخصص، وبين الخاص القطعي؛ لأنهما قطعيان، وحجتهم على ما ذهبوا إليه "أن اللفظ العام موضوع حقيقة لاستغراق جميع ما صدق عليه معناه من الأفراد". واللفظ حين إطلاقه يدل على معناه الحقيقي قطعًا، فالعام المطلق عن قرينة تخصصه يدل على العموم قطعا، ولا يصرف عن معناه الحقيقي إلا بدليل. ولهذا استدل الصحابة والتابعون الأئمة المجتهدون بعموم الألفاظ العامة التي وردت في النصوص مطلقة عن التخصيص، واستنكروا تخصيصها من غير دليل، فإذا خصص العام بدليل دل هذا على صرفه عن معناه الحقيقي وهو العموم، واستعماله في معنى مجازي وهو الخصوص، وصار محتملًا لتخصيص ثان قياسا على التخصيص الأول؛ لأن علة التخصيص الأول قد تتحقق

<<  <   >  >>