للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أفراد أخرى، فكأن التخصيص الأول فتح ثغرة في العموم، ومهد لفتح ثغرات أخرى. ولهذا صار العام الذي خصص ظني الدلالة على ما بقي بعد التخصيص.

والذي يظهر لي بعد المقارنة بين أدلة الفريقين، وأمثلتهما وشواهدهما أنه ليس بين رأييهما اختلاف جوهري من الناحية العملية؛ لأنه لا خلاف بينهما في أن العام يجب العمل بعمومه حتى يقوم على تخصيصه دليل، ولا في أن العام يحتمل أن يخصص بدليل، وأن تخصيصه بغير دليل تأويل غير مقبول. والقائلون بأن العام الذي لم يقم دليل على تخصيصه قطعي الدلالة على العموم، ما أرادوا بكونه قطعي الدلالة أنه لا يحتمل التخصيص مطلقا، وإنما أرادوا أنه لا يخصص إلا بدليل، والقائلون بأنه ظني الدلالة على العموم ما أرادوا أنه يخصص مطلقًا. وإنما أرادوا أنه يخصص بالدليل.

أنواع العام:

وقد ثبت باستقراء النصوص أن العام ثلاثة أقسام.

١- عام يراد به قطعا العموم: وهو العام الذي صحبته قرينة تنفي احتمال تخصيصه كالعام في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} . وفي قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} . في كل واحدة من هاتين الآيتين، تقرير سنة إلهية عامة لا تتخصص ولا تتبدل، فالعام فيهما قطعي الدلالة على العموم، ولا يحتمل أن يراد به الخصوص.

٢- وعام يراد به قطعا الخصوص: وهو العام الذي صحبته قرينة تنفي بقاءه على عمومه وتبين أن المراد منه بعض أفراده مثل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} ، فالناس في هذا النص عام، مراد به خصوص المكلفين؛ لأن العقل يقضي بخروج الصبيان والمجانين، مثل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} ، فأهل المدينة والأعراب في هذا النص لفظان عامان مراد بكل منهما خصوص القادرين؛ لأن العقل لا يقضي بخروج العجزة. فهذا عام مراد به الخصوص ولا يحتمل أن يراد به العموم.

٣- عام مخصوص: وهو العام المطلق الذي لم تصحبه قرينة تنفي احتمال تخصيصه، ولا قرينة تنفي دلالته على العموم، مثل أكثر النصوص التي وردت

<<  <   >  >>