للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في حديث نهي رسول الله عن بيع الطعام بجنسه متفاضلا بالطعام الذي كان متعارفا إطلاق لفظ الطعام عليه وقت التشريع، وتخصيص كل شيء في قوله تعال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} بكل شيء قابل للتدمير. وبعض الأصوليين يعتبر دليل التخصيص في المثال الأخير الحس، وبعضهم يعتبره العقل والنتيجة واحدة، وعلى هذا أصول القوانين الوضعية، فكثيرا ما يخصص العرف بعض الألفاظ العامة في مواد القانون، وكثيرا ما يخصص العرف التجاري بعض النصوص العامة في صيغ العقود.

ومن التخصيص بالنص: ما أشرنا إليه من قبل، في مواضع كثيرة، كقوله تعالى في المطلقات قبل الدخول: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} الذي خصص عموم قوله سبحانه: {الْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} .

ولا خلاف بين الأصوليين، في أنه يجوز تخصيص عام القرآن بالقرآن والسنة المتواترة؛ لأن نصوص القرآن والسنة المتواترة قطعية الثبوت، فيخصص بعضها بعضًا. وأما تخصيص القرآن بالسنة غير المتواترة، فذهب جمهور الأصوليين إلى أنه سائغ، واحتجوا بوقوعه والاتفاق على العمل به. فحديث: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". خصص عموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ، وحديث: "ليس للقاتل ميراث"، خصص عموم الوارث في آيات المواريث؛ والرجم خصص عموم الزاني والزنية، وحديث: "لا قطع في أقل من ربع دينار"، خصص عموم السارق والسارقة، وحديث: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"، خصص عموم: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} ، ودعوى تواتر بعض هذه الأحاديث أو شهرتها لا يقوم عليها دليل، وهذا المذهب هو السديد. والذين منعوا تخصيص عام الكتاب بالسنة غير المتواترة يصطدمون بعدة تخصيصات نبوية، لا سبيل لهم إلى إنكارها، ولا إلى تأويلها، ولا إلى إثبات تواترها.

وتخصيص نصوص في القوانين الوضعية لنصوص عامة فيها كثير. فمن ذلك المادة ١٦٤ من القانون المدني، التي تجعل التمييز مناط المسؤلية عن العمل غير المشروع وتعويض ما ينجم عنه من ضرر، فقد خصصت بفقرتها الثانية إذا تقرر أنه وقع الضرر من شخص عديم التمييز ولم يكن من يسأل عنه، أو تعذر الحصول على تعويض من المسئول، فإنه يجوز للقاضي إلزام من وقع منه الضرر بتعويض عادل.

<<  <   >  >>