للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب: إذا ورد النص الشرعي بصيغة عامة وجب العمل بعمومه الذي دلت عليه صيغته، ولا اعتبار لخصوص السبب الذي ورد الحكم بناء عليه، سواء كان السبب سؤالا أم واقعة حدثت؛ لأن الواجب على الناس اتباعه هو ما ورد به نص الشارع، وقد ورد نص الشارع بصيغة العموم فيجب العمل بعمومه، ولا تعتبر خصوصيات السؤال أو الواقعة التي ورد النص بناء عليها؛ لأن عدول الشارع في نص جوابه أو فتواه عن الخصوصيات، إلى التعبير بصيغة العموم قرينة على عدم اعتباره تلك الخصوصيات.

روى أن قوما قالوا: يا رسول الله إنا نركب البحر، ولو توضأنا بما معنا من الماء خشينا العطش، أنتوضأ بماء البحر؟ فقال الرسول: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". فهذه الصيغة العامة -هو الطهور ماؤه- تدل بعمومها على أن ماء البحر مطهر كل أنواع التطهير في حال الضرورة والاختيار. فيجب العمل بعمومها، ولا عبرة بكون السؤال ورد خاصا عن التوضؤ، ولا بكون السائلين سألوا عن حالة ضرورتهم إلى الماء خشية العطش، وروي أن امرأة سعد بن الربيع قالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد، وقد أخذ عمهما مالهما، ولا تنكحان إلا ولهما مال. فقال الرسول لعم البنتين: "أعط البنتين الثلثين وللزوجة الثمن وما بقي فهو لك"، فهذا الحديث يدل بعمومه على أن لبنتي المتوفى الثلثين، ولا اعتبار لكونهما لا مال لهما أو لكون أبيهما قتل في أحد. وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- مر بشاة ميمونة وهي ميتة فقال: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" فكل جلد دبغ صار طاهرا ولا اعتبار لخصوص جلد الشاة.

قال الآمدي في الأحكام: أكثر العموميات وردت على أسباب خاصة فآية السرقة نزلت في سرقة المجن أو رداء صفوان. وآية الظاهر نزلت في حق مسلمة بن صخر. وآية اللعان نزلت في حق هلال بن أمية، إلى غير ذلك. والصحابة عمموا أحكام هذه الآيات من غير نكير فدل على أن السبب غير مسقط للعموم، نعم إذا ورد النص جوابا غير مستقل بنفسه عن السؤال بأن كان الجواب نعم أو لا، أو ما في أحدهما، فإنه يكون تابعا للسؤال في عمومه وخصوصه. أما في عمومه، فمثاله ما روي أن رسول الله سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: "أينقص الرطب إذا يبس"؟، قالوا: نعم، قال: "فلا إذن". وأما في خصوصه فمثاله

<<  <   >  >>