غالب فيه، وهو حد قذف المحصنات، وفي هذين لا يملك المجني عليه العفو عن الجاني، ولا يملك أن يتولى عقابه بنفسه؛ لأن حق الله خالصا أو غالبا لا يملك المكلف إسقاطه، والمنوط باستيفائه الإمام العام "الحكومة". ومنها ما اجتمع فيه الحقان وحق المكلف غالب فيه، وهو القصاص، فللمجني عليه أن يعفو عن القاتل؛ وإذا حكم على القاتل بالقصاص كان له أن يتولى تنفيذ الحكم. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} .
ومما تقدم يتبين أمران:
أولهما: أن كل حد من الحدود الشرعية فيه حق الله، أي للمجتمع؛ ولكن هذا الحق قد يكون خالصًا، وقد يكون معه حق للفرد، إما راجحا وإما مرجوحا.
وثانيهما: أن الشريعة الإسلامية تفترق والنظرية الجنائية في قوانيننا الوضعية في عقوبة القصاص من القاتل العامد، وفي عقوبة الزوجة التي ثبت زناها. ففي عقوبة القصاص من القاتل العامد؛ الشريعة الإسلامية جعلت هذه العقوبة فيها حق للمجني عليه وهو ولي المقتول، وفيها حق الله، أي المجتمع، وجعلت حق المجني عليه أرجح، ورتبت على أن فيها حقا راجحا للمجني عليه أنها جعلت الحق له في رفع الدعوى بطلب الحكم بالقصاص، وجعلت له الحق إذا حكم بالقصاص أن يعفو، وأن يتولى التنفيذ، ورتبت على أن فيها حقا لله أن للحكومة في حال عفو المجني عليه أن تعاقب الجاني بما تراه رادعا له ولغيره؛ لأن نزول أحد صاحبي الحق عن حقه لا يسقط حق الآخر. وأما القوانين الوضعية فقد جعلت هذه العقوبة حق خالصًا للمجتمع، وجعلت رفع الدعوى على القاتل من اختصاص النيابة العمومية؛ ولا يملك المجني عليه عفوا ولا مباشرة تنفيذ، وحق العفو ومباشرة التنفيذ هو لولي الأمر العام.
وفي عقوبة الزوجة التي ثبت زناها: الشريعة الإسلامية جعلت هذه العقوبة حقا خالصا لله أي للمجتمع. وجعلت رفع الدعوى على الزانية من اختصاص النيابة العمومية، وتنفيذ الحكم من اختصاص السلطة التنفيذية، ولا يملك زوجها ولا أي فرد غيره وقف إجراءات الدعوى عليها، ولا وقف تنفيذ الحكم عليها بعد صدوره. وأما في القوانين الوضعية، فلا ترفع الدعوى إلا بشكوى من زوجها وله أن يوقف إجراءات الدعوى عليها، وإذا حكم عليها، فله أن يوقف تنفيذ الحكم برضاه بمعاشرتها.