أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} الآية، يدل على أن القاذف إذا كان الزوج لا يجلد بل يتلاعن وزوجته. فالنص الثاني نسخ حكم جلد القذف بالنسبة إلى الأزواج فقط.
وإنما يكون هذا نسخا جزئيًّا إذا شرع أولا حكم العام على عمومه، أو المطلق على إطلاقه، ثم شرع بعد ذلك بفترة حكم لبعض أفراده، أو قيد بقيد. وأما إذا ورد العام في القانون وورد في القانون نفسه تخصيص بعض أفراده بحكم يكون هذا التخصيص بيانا للمراد من العام لا نسخًا، وكذلك يكون التقييد بيانا للمراد من الطلق لا نسخًا.
وهذا معنى قول الأصوليين إخراج بعض أفراد العام من حكمه، أو تقييد المطلق بقيد إذا كان بدليل مقارن تشريع حكم العام أو المطلق، يعتبر بيانا للمراد من العام، أو المطلق بمنزلة الاستثناء ولا يعتبر نسخًا.
والأحكام الشرعية وإن كانت شرعت تدريجا في مدى اثنتين وعشرين سنة وشهور، ولكن بعد وفاة الرسول واستقرار التشريع، صارت في حق المسلمين قانونا واحدا، فالخاص منه بيان للعام، والمقيد بيان للمطلق، من غير نظر إلى أن هذه الآية بعد هذه الآية في التلاوة، أو في سورة بعد السورة التي فيها الآية، إلا ما نص عليه من ناسخ ومنسوخ.
وقد يكون النسخ بتشريع حكم بدل حكم، كما نسخ إيجاب الوصية للوالدين والأقربين بتقسيم الإرث، وكما نسخ الاتجاه إلى بيت المقدس في الصلاة بالاتجاه إلى الكعبة، وكما نسخ اعتداد المتوفى عنها زوجها بالتربص حولا، باعتدادها بالتربص أربعة أشهر وعشرة أيام، وقد يكون النسخ بمجرد إلغاء الحكم كنسخ زواج المتعة.
وكما يجوز أن يكون الحكم الذي شرع مساويا الحكم الذي نسخ، أو أخف منه على المكلفين، يجوز أن يكون أشق منه عليهم؛ لأن هذا الإلغاء والتبديل إنما قضت به مصالح المكلفين، وقد تقتضي مصلحتهم حكما أشق عليهم من المنسوخ، فتحريم الخمر والميسر أشق عليهم من إباحتهما، ولكن قصد به المصلحة، وقوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} . المراد بالخير ما يكون