أصلح للمكلفين، سواء كان أشق عليهم أم مساويا أم أخف، هذا إذا كان المراد آيات القرآن في قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} .
ما يقبل النسخ وما لا يقبله:
ليس كل نص ورد في القرآن أو السنة يقبل في عهد الرسول أن ينسخه نص لاحق، بل من النصوص نصوص محكمات لا تقبل النسخ أصلا وهي:
أولا: النصوص التي تضمنت أحكاما أساسية لا تختلف باختلاف أحوال الناس، ولا تختلف حسنا وقبحا باختلاف التقدير، كالنصوص التي تضمنت إيجاب الإيمان بالله ورسله، وكتبه واليوم الآخر، وسائر أصول العقائد والعبادات، وكالنصوص التي قررت أمهات الفضائل من بر الوالدين، والصدق، والعدل وأداء الأمانات إلى أهلها، وغير ذلك مما لا يتصور أن يكون قبيحًا في آية حال وعلى أي تقدير؛ وكالنصوص التي دلت على أسس الرذائل من الشرك بالله، وقتل النفس بغير الحق، وعقوق الوالدين، والكذب والظلم، وغير ذلك مما لا يتصور أن يكون حسنا في أي حال. ومن أمثلة هذا النوع في القوانين الوضعية: المادتان ١٥٦ و١٥٨ من الدستور، فهما لا تقبلان النسخ.
وثانيا: النصوص التي تضمنت أحكاما، ودلت بصيغتها على تأبيدها؛ لأن تأبيدها يقتضي عدم نسخها. كقوله تعالى في بيان حد قاذفي المحصنات:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} ، فإن لفظ بدا يدل على أن هذا حكم دائم لا يزول، وكقول الرسول -صلى الله عليه وسلم:"الجهاد ماض إلى يوم القيامة"، فإن كونه ماضيا إلى يوم القيامة يدل على أنه باق ما بقيت الدنيا.
وثالثا: النصوص التي دلت على وقائع وقعت، وأخبرت عن حادثات كانت، كقوله تعالى:{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ، وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} . وكقول الرسول:"نصرت بالرعب مسيرة شهر"؛ لأن نسخ النص الخبري تكذيب لمن أخبر به، والكذب محال على الشارع.
فهذه الأنواع الثلاثة من النصوص لا تقبل النسخ، وما عداها يقبله في بدء التشريع، أي في حياة الرسول لا فيما بعده.